في هذه السنة ، في ثاني ذي القعدة ، توفي الإمام - رضي الله عنه - وأمه أم ولد المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين أبو محمد الحسن بن يوسف المستنجد أرمنية تدعى غضة ، وكانت خلافته نحو تسع سنين وسبعة أشهر ، وكان مولده سنة ست وثلاثين وخمسمائة ، وكان عادلا حسن السيرة في الرعية ، كثير البذل للأموال ، غير مبالغ في أخذ ما جرت العادة بأخذه ، وكان الناس معه في أمن عام وإحسان شامل ، وطمأنينة وسكون ، لم يروا مثله ، وكان حليما ، قليل المعاقبة على الذنوب ، محبا للعفو والصفح عن المذنبين ، فعاش حميدا ومات سعيدا - رضي الله عنه - فلقد كانت أيامه كما قيل :
كأن أيامه من حسن سيرته مواسم الحج والأعياد والجمع
وفي سابع ذي القعدة قبض على ، ووكل عليه في داره ، ثم نقل إلى التاج ، وقيد ووكل به ، وطلبت ودائعه وأمواله ، وفي ليلة الأربعاء ثامن عشر ذي القعدة أخرج ميتا على رأس حمال سرا ، فغمز به بعض الناس ، فثار به العامة ، فألقوه عن رأس الحمال ، وكشفوا سوءته وشدوا في ذكره حبلا وسحبوه في البلد ، وكانوا يضعون بيده مغرفة يعني أنها قلم وقد غمسوها في العذرة ويقولون : وقع لنا يا مولانا ، إلى غير هذا من الأفعال الشنيعة ، ثم خلص من أيديهم ودفن . ابن العطار ظهير الدين
هذا فعلهم به مع حسن سيرته فيهم وكفه عن أموالهم وأعراضهم .
وسيرت الرسل إلى الآفاق لأخذ البيعة ، فسير صدر الدين شيخ الشيوخ إلى البهلوان ، صاحب همذان وأصفهان والري وغيرها ، فامتنع من البيعة ، فراجعه صدر الدين ، وأغلظ له في القول ، حتى أنه قال لعسكره في حضرته : [ ليس ] لهذا عليكم طاعة ما لم يبايع أمير المؤمنين ، بل يجب عليكم أن تخلعوه من الإمارة ، وتقاتلوه ، فاضطر إلى البيعة والخطبة ، وأرسل إلى رضي الدين القزويني مدرس النظامية إلى الموصل لأخذ البيعة ، فبايع صاحبها ، وخطب للخليفة الناصر لدين الله أمير المؤمنين .