في هذه السنة سار إلى نور الدين محمود الزنكي قلعة حارم ، وهي للفرنج ، ثم لبيمند ، صاحب أنطاكية ، وهي تقارب أنطاكية من شرقيها ، وحصرها وضيق على أهلها ، وهي قلعة منيعة في نحور المسلمين ، فاجتمعت الفرنج من قرب منها ومن بعد ، وساروا نحوه ليرحلوه عنها .
وكان بالحصن شيطان من شياطينهم يعرفون عقله ويرجعون إلى رأيه ، فأرسل إليهم يقول : إننا نقدر على حفظ القلعة ، وليس بنا ضعف ، فلا تخاطروا أنتم باللقاء ، فإنه إن هزمكم أخذها وغيرها ، والرأي مطاولته ; فأرسلوا إليه وصالحوه على أن يعطوه نصف أعمال حارم ، فاصطلحوا على ذلك ، ورحل عنهم ، فقال بعض الشعراء :
[ ص: 228 ]
ألبست دين محمد يا نوره عزا له فوق السها أساد ما زلت تشمله بمياد القنا
حتى تثقف عوده المياد
لم يبق مذ أرهفت عزمك دونه
عدد يراع به ، ولا استعداد إن المنابر لو تطيق تكلما
حمدتك عن خطبائها الأعواد ملق بأطراف القريحة كلكلا
طرفاه ضرب صادق وجلاد حاموا فلما عاينوا خوض الردى
حاموا فرائس كيدهم أو كادوا ورأى " البرنس " وقد تبرنس ذلة
حزما لحارم والمصاد مصاد من منكر أن ينسف السيل الربى
وأبوه ذاك العارض المداد أو أن يعيد الشمس كاسفة السنا
نار لها ذاك الشهاب زناد لا ينفع الآباء ما سمكوا من ال
علياء حتى يرفع الأولاد
وهي طويلة .