الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (68) قوله : ما كان لهم الخيرة : فيه أوجه، أحدها: أن "ما" نافية فالوقف على "يختار". والثاني: "ما" مصدرية أي: يختار اختيارهم، والمصدر واقع موقع المفعول به أي: مختارهم.

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث: أن تكون بمعنى الذي، والعائد محذوف أي: ما كان لهم الخيرة فيه كقوله: "ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور" أي: منه.

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز ابن عطية أن تكون "كان" تامة و "لهم الخيرة" جملة مستأنفة. قال: "ويتجه عندي أن تكون "ما" مفعولة إذا قدرنا كان التامة أي: إن الله يختار كل كائن. و "لهم الخيرة" مستأنف. معناه تعديد النعم عليهم في اختيار الله لهم لو قبلوا". وجعل بعضهم في "كان" ضمير الشأن وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      3633 - أمن سمية دمع العين تذريف لو كان ذا منك قبل اليوم معروف



                                                                                                                                                                                                                                      ولو كان "ذا" اسمها لقال: "معروفا". وابن عطية منع ذلك في الآية قال: "لأن تفسير الأمر والشأن لا يكون بجملة فيها محذوف". قلت: كأنه يريد أن الجار متعلق بمحذوف. وضمير الشأن لا يفسر إلا بجملة مصرح بجزأيها. إلا أن في هذا نظرا إن أراده; لأن هذا الجار قائم مقام الخبر. ولا أظن أحدا يمنع "هو السلطان في البلد" و "هي هند في الدار".

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 691 ] والخيرة من التخيير، كالطيرة من التطير فيستعملان استعمال المصدر. وقال الزمخشري: "ما كان لهم الخيرة بيان لقوله "ويختار" لأن معناه: ويختار ما يشاء، ولهذا لم يدخل العاطف. والمعنى: أن الخيرة لله تعالى في أفعاله، وهو أعلم بوجوه الحكمة فيها ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه". قلت: لم يزل الناس يقولون: إن الوقف على "يختار"، والابتداء بـ "ما" على أنها نافية هو مذهب أهل السنة. ونقل ذلك عن جماعة كأبي جعفر وغيره، وأن كونها موصولة متصلة بـ "يختار" غير موقوف عليه مذهب المعتزلة. وهذا الزمخشري قد قرر كونها نافية، وحصل غرضه في كلامه، وهو موافق لكلام أهل السنة ظاهرا، وإن كان لا يريده. وهذا الطبري من كبار أهل السنة منع أن تكون [ما] نافية قال: "لئلا يكون المعنى: أنه لم تكن لهم الخيرة فيما مضى، وهي لهم فيما يستقبل، وأيضا فلم يتقدم نفي". وهذا الذي قاله ابن جرير مروي عن ابن عباس. وقال بعضهم: ويختار لهم ما يشاء من الرسل، فـ "ما" على هذا واقعة على العقلاء.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية