الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (43) قوله : بينه : إنما دخلت "بين" على مفرد وهي إنما تدخل على المثنى فما فوقه لأنه: إما أن يراد بالسحاب الجنس فعاد الضمير عليه على حكمه، وإما أن يراد حذف مضاف أي: بين قطعه، فإن كل قطعة سحابة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "يخرج من خلاله" تقدم الخلاف في "خلال" هل هو مفرد [ ص: 420 ] كحجاب أم جمع كجبال جمع جبل؟ ويؤيد الأول قراءة ابن مسعود والضحاك، ويروى عن أبي عمرو أيضا "من خلله" بالإفراد.

                                                                                                                                                                                                                                      والودق قيل: هو المطر ضعيفا كان أو شديدا. قال:


                                                                                                                                                                                                                                      3452 - فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها



                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو البرق. وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      3453 - أثرن عجاجة وخرجن منها     خروج الودق من خلل السحاب



                                                                                                                                                                                                                                      والودق في الأصل: مصدر يقال: ودق السحاب يدق ودقا و "يخرج" حال لأنها بصرية.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "من السماء من جبال فيها من برد" "من" الأولى لابتداء الغاية اتفاقا. وأما الثانية ففيها ثلاثة أوجه، أحدها: أنها لابتداء الغاية أيضا فهي ومجرورها بدل من الأولى بإعادة العامل. والتقدير: وينزل من جبال السماء أي: من جبال فيها، فهو بدل اشتمال. الثاني: أنها للتبعيض، قاله الزمخشري وابن عطية. فعلى هذا هي ومجرورها في موضع مفعول [ ص: 421 ] الإنزال كأنه قال: وينزل بعض جبال. الثالث: أنها زائدة أي: ينزل من السماء جبالا. وقال الحوفي: "من جبال بدل من الأولى". ثم قال: "وهي للتبعيض".

                                                                                                                                                                                                                                      ورده الشيخ: بأنه لا تستقيم البدلية إلا بترافقهما معنى. لو قلت: "خرجت من بغداد من الكرخ" لم تكن الأولى والثانية إلا لابتداء الغاية.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الثالثة ففيها أربعة أوجه: الثلاثة المتقدمة. والرابع: أنها لبيان الجنس. قاله الحوفي والزمخشري، فيكون التقدير على قولهما: وينزل من السماء بعض جبال التي هي البرد، فالمنزل برد لأن بعض البرد برد. ومفعول "ينزل" هو "من جبال" كما تقدم تقريره. وقال الزمخشري: "أو الأوليان للابتداء، والثالثة للتبعيض" قلت: يعني أن الثانية بدل من الأولى كما تقدم تقريره، وحينئذ يكون مفعول "ينزل" هو الثالثة مع مجرورها تقديره: وينزل بعض برد من السماء من جبالها. وإذا قيل: بأن الثانية والثالثة زائدتان فهل مجرورهما في محل نصب، والثاني بدل من الأول، والتقدير: وينزل من السماء جبالا بردا، وهو بدل كل من كل، أو بعض من كل، أو الثاني في محل نصب مفعولا لـ "ينزل"، والثالث في محل رفع على الابتداء، وخبره [ ص: 422 ] الجار قبله؟ خلاف. الأول قول الأخفش، والثاني قول الفراء. وتكون الجملة على قول الفراء صفة لـ "جبال"، فيحكم على موضعها بالجر اعتبارا باللفظ، أو بالنصب اعتبارا بالمحل. ويجوز أن يكون "فيها" وحده هو الوصف، ويكون "من برد" فاعلا به; لاعتماده أي: استقر فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزجاج : "معناه: وينزل من السماء من جبال برد فيها كما تقول: "هذا خاتم في يدي من حديد" أي: خاتم حديد في يدي. وإنما جئت في هذا وفي الآية بـ "من" لما فرقت، ولأنك إذا قلت: هذا خاتم من حديد وخاتم حديد كان المعنى واحدا" انتهى. فيكون "من برد" في موضع جر صفة [667/ب] لـ "جبال"، كما كان "من حديد" صفة لـ "خاتم"، ويكون مفعول " ينزل " "من جبال". ويلزم من كون الجبال بردا أن يكون المنزل بردا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو البقاء: "والوجه الثاني: أن التقدير: شيئا من جبال، فحذف الموصوف واكتفي بالصفة. وهذا الوجه هو الصحيح; لأن قوله "فيها من برد" يحوجك إلى مفعول يعود الضمير إليه، فيكون تقديره: وينزل من جبال السماء جبالا فيها برد. وفي ذلك زيادة حذف، وتقدير مستغنى عنه". وفي كلامه نظر; لأن الضمير له شيء يعود عليه وهو السماء، فلا حاجة إلى تقدير شيء آخر; لأنه مستغنى عنه، وليس ثم مانع يمنع من عوده على السماء. وقوله آخرا: [ ص: 423 ] "وتقدير مستغنى عنه"، وينافي قوله: "وهذا الوجه هو الصحيح". والضمير في "به" يجوز أن يعود على البرد وهو الظاهر، ويجوز أن يعود على الودق والبرد معا، جريا بالضمير مجرى اسم الإشارة. كأنه قيل: فيصيب بذلك، وقد تقدم نظيره في مواضع.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "سنا برقه" العامة على قصر "سنا" وهو الضوء، وهو من ذوات الواو، يقال: سنا يسنو سنا. أي: أضاء يضيء. قال امرؤ القيس:


                                                                                                                                                                                                                                      3454 - يضيء سناه، أو مصابيح راهب      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      والسنا بالمد: الرفعة. قال:


                                                                                                                                                                                                                                      3455 - وسن كسنيق سناء وسنما      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن وثاب "سناء برقه" بالمد، وبضم الباء من "برقه" وفتح الراء. وروي عنه ضم الراء أيضا. فأما قراءة المد فإنه شبه المحسوس من البرق [ ص: 424 ] لارتفاعه في الهواء بغير المحسوس من الإنسان. وأما "برقه" فجمع برقة، وهي المقدار من البرق كقرب. وأما ضم الراء فإتباع كظلمات بضم اللام إتباعا لضم الظاء. وإن كان أصلها السكون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ العامة أيضا "يذهب" بفتح الياء والهاء. وأبو جعفر بضم الياء وكسر الهاء من أذهب. وقد خطأ هذه القراءة الأخفش وأبو حاتم قالا: "لأن الباء تعاقب الهمزة".

                                                                                                                                                                                                                                      وليس ردهما بصواب; لأنها تتخرج على ما خرج ما قرئ به في المتواتر "تنبت بالدهن" من أن الباء مزيدة، أو أن المفعول محذوف، والباء بمعنى "من" تقديره: يذهب النور من الأبصار كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3456 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .     شرب النزيف ببرد ماء الحشرج



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية