الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (5) قوله : اكتتبها : يجوز فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون حالا من أساطير، والعامل فيها معنى التنبيه، أو الإشارة المقدرة; فإن "أساطير" خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هذه أساطير الأولين مكتتبة. والثاني: أن يكون في موضع خبر ثان لـ "هذه". والثالث: أن يكون "أساطير" مبتدأ و "اكتتبها" خبره، واكتتبها: الافتعال هنا يجوز أن يكون بمعنى أمر بكتابتها كاقتصد واحتجم، إذا أمر بذلك، ويجوز أن يكون بمعنى كتبها، وهو من جملة افترائهم عليه لأنه [عليه السلام] كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، ويكون كقولهم: استكبه واصطبه أي: سكبه وصبه. والافتعال مشعر بالتكلف. ويجوز أن يكون من كتب بمعنى جمع، من الكتب وهو الجمع، لا من الكتابة بالقلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ طلحة "اكتتبها" مبنيا للمفعول. قال الزمخشري: "والمعنى: اكتتبها له كاتب لأنه كان أميا لا يكتب بيده، ثم حذفت اللام فأفضى الفعل إلى الضمير فصار: اكتتبها إياه كاتب. كقوله: "واختار موسى قومه" ثم بني [ ص: 456 ] الفعل للضمير الذي هو "إياه" فانقلب مرفوعا مستترا بعد أن كان منصوبا بارزا، وبقي ضمير الأساطير على حاله فصار "اكتتبها" كما ترى".

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ: "ولا يصح ذلك على مذهب جمهور البصريين; لأن "اكتتبها له كاتب" وصل الفعل فيه لمفعولين أحدهما مسرح، وهو ضمير الأساطير، والآخر مقيد، وهو ضميره عليه السلام، ثم اتسع في الفعل فحذف حرف الجر، فصار: اكتتبها إياه كاتب. فإذا بني هذا للمفعول: إنما ينوب عن الفاعل المفعول المسرح لفظا وتقديرا لا المسرح لفظا، المقيد تقديرا. فعلى هذا يكون التركيب: اكتتبه لا اكتتبها، وعلى هذا الذي قلناه جاء السماع. قال: الفرزدق:


                                                                                                                                                                                                                                      3472 - ومنا الذي اختير الرجال سماحة وجودا إذا هب الرياح الزعازع



                                                                                                                                                                                                                                      ولو جاء على ما قرره الزمخشري لجاء التركيب: "ومنا الذي اختيره الرجال" لأن "اختير" تعدى إلى الرجال بإسقاط حرف الجر; إذ تقديره: اختير من الرجال". قلت: وهو اعتراض حسن بالنسبة إلى مذهب الجمهور، ولكن الزمخشري قد لا يلتزمه، ويوافق الأخفش والكوفيين، وإذا كان الأخفش وهم، يتركون المسرح لفظا وتقديرا، ويقيمون المجرور بالحرف مع وجوده فهذا أولى وأحرى.

                                                                                                                                                                                                                                      والظاهر أن الجملة من قوله: "اكتتبها فهي تملى" من تتمة قول الكفار. وعن الحسن أنها من كلام الباري تعالى، وكان حق الكلام على هذا أن يقرأ [ ص: 457 ] "أكتتبها" بهمزة مقطوعة مفتوحة للاستفهام كقوله: "أفترى على الله كذبا أم به جنة". ويمكن أن يعتذر عنه: أنه حذف الهمزة للعلم بها كقوله تعالى: "وتلك نعمة تمنها علي". وقول الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      3473 - أفرح أن أرزأ الكرام وأن     أورث ذودا شصائصا نبلا



                                                                                                                                                                                                                                      يريد: أو تلك، وأأفرح، فحذف لدلالة الحال، وحقه أن يقف على "الأولين". قال الزمخشري: "كيف قيل: اكتتبها فهي تملى عليه، وإنما يقال: أمليت عليه فهو يكتتبها؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أراد اكتتابها وطلبه فهي تملى عليه أو كتبت له وهو أمي فهي تملى عليه أي: تلقى عليه من كتاب يتحفظها; لأن صورة الإلقاء على الحافظ كصورة الإلقاء على الكاتب".

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ عيسى وطلحة "تتلى" بتاءين من فوق، من التلاوة. و "بكرة وأصيلا" ظرفا زمان للإملاء. والياء في "تملى" بدل من اللام كقوله: "فليملل" وقد تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية