الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (108) قوله : أنما إلهكم : "أن" وما في حيزها في محل رفع لقيامه مقام الفاعل; إذ التقدير: إنما يوحى إلي وحدانية إلهكم. وقال الزمخشري: "إنما" لقصر الحكم على شيء أو لقصر الشيء على حكم كقولك: "إنما زيد قائم" و "إنما يقوم زيد". وقد اجتمع المثالان في هذه الآية; لأن "إنما يوحى إلي" مع فاعله بمنزلة "إنما يقوم زيد"، و "أنما إلهكم إله واحد" بمنزلة "إنما زيد قائم". وفائدة اجتماعهما الدلالة على أن الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم مقصور على استئثار الله بالوحدانية".

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ: "أما ما ذكره في "أنما" أنها لقصر ما ذكر، فهو مبني على أن "أنما" للحصر، وقد قررنا أنها لا تكون للحصر وأن "ما" مع "أن" كهي مع [ ص: 215 ] كأن ومع لعل. فكما أنها لا تفيد الحصر في التشبيه ولا الحصر في الترجي، فكذلك لا تفيده مع "أن". وأما جعله "أنما" المفتوحة الهمزة مثل المكسورتها تدل على القصر فلا نعلم الخلاف إلا في "إنما" بالكسر، وأما "أنما" بالفتح فحرف مصدري، ينسبك منه مع ما بعده مصدر، فالجملة بعدها ليست جملة مستقلة. ولو كانت "أنما" دالة على الحصر لزم أن يقال: إنه لم يوح إليه شيء إلا التوحيد، وذلك لا يصح الحصر فيه، إذ قد أوحي له أشياء غير التوحيد".

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: الحصر بحسب كل مقام على ما يناسبه; فقد يكون هذا المقام يقتضي الحصر في إيحاء الوحدانية لشيء جرى من إنكار الكفار وحدانيته تعالى، وأن الله لم يوح إليه لها شيئا. وهذا كما أجاب الناس عن هذا الإشكال الذي ذكره الشيخ في قوله تعالى: "إنما أنت منذر" "إنما أنا بشر" "إنما الحياة الدنيا لعب ولهو" إلى غير ذلك. و "ما" من قوله "إنما يوحى" يجوز فيها وجهان، أحدهما: أن تكون كافة وقد تقدم. والثاني: أن تكون موصولة كهي في قوله: "إنما صنعوا" ويكون الخبر هو الجملة من قوله: "أنما إلهكم إله واحد" تقديره: إن الذي يوحى إلي هو هذا الحكم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "فهل أنتم مسلمون" استفهام معناه الأمر بمعنى أسلموا، كقوله: "فهل أنتم منتهون" أي: انتهوا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 216 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية