الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 429 ] ( ولو مكث يوما ) أراد به مطلق الزمان إذ الساعة كذلك بحر ( ثم قال : والله لا أقربك شهرين ) لم يكن موليا ( قال بعد الشهرين الأولين ) ، أو لا لنقص المدة لكن إن قاله اتحدت الكفارة وإلا تعددت ( أو قال : والله لا أقربك سنة [ ص: 430 ] إلا يوما ) لم يكن موليا للحال بل إن قربها وبقي من السنة أربعة أشهر فأكثر صار موليا وإلا لا ، ولو حذف " سنة " لم يكن موليا حتى يقربها فيصير موليا ولو زاد : إلا يوما أقربك فيه لم يكن موليا أبدا لأنه استثنى كل يوم يقربها فيه فلم يتصور منعه أبدا ( أو قال - وهو بالبصرة - : والله لا أدخل مكة وهي بها لا ) يكون موليا لأنه يمكنه أن يخرجها منها فيطأها .

( آلى من المطلقة رجعيا صح ) لبقاء الزوجية ، [ ص: 431 ] ويبطل بمضي العدة .

التالي السابق


( قوله : ولو مكث يوما ) يعني بعد قوله " والله لا أقربك شهرين " ( قوله : إذ الساعة كذلك ) أي الزمانية ، فالمراد أن يفصل بين الحلفين بفاصل ( قوله : قال بعد الشهرين الأولين أولا ) أي إن التقييد بالظرف هنا اتفاقي كما في المسألة الأولى ( قوله : لنقص المدة ) أي بقدر الفاصل بين الحلفين وهو اليوم مثلا لأن مدة الامتناع عن قربانها في الحلف الأول شهران وفي الثاني شهران بعدهما ، وبين الحلفين مدة لم يلزمه شيء بقربانها فيها فلم توجد مدة الإيلاء ، بخلاف المسألة الأولى فإن أربعة أشهر فيها لا فاصل بينهما كما مر ، وهذا إن قال هنا بعد الشهرين الأولين فإنه نص على تغاير المدة وإن تعدد القسم ، أما إذا لم يقله تتحد المدة لتعدد القسم بتكرار اسمه تعالى بلا موجب لتعدد المدة فلم توجد مدة الإيلاء أيضا ( قوله : لكن إن قاله إلخ ) استدراك على ما ذكره من عدم الفرق بين ذكر الظرف وعدمه أي إنه لا فرق بينهما من حيث إنه لا يكون موليا ولكن بينهما فرق من جهة أخرى أفادها في الفتح وغيره ، وهي أنه إن قاله تتعين مدة اليمين الثانية كذا في البحر والنهر : أي تصير مرادة بعينها غير داخلة فيما قبلها ، وعبر الشارح عن هذا بقوله اتحدت الكفارة أخذا من قوله في الفتح في هذه الصورة : فلو قربها في الشهرين الأولين لزمته كفارة واحدة وكذا في الشهرين الآخرين لأنه لم يجتمع على الشهرين يمينان بل على كل شهرين يمين واحدة . ا هـ . وما توارد عليه شراح الهداية من أنه يلزمه بالقربان كفارتان قال في الفتح : إنه خطأ لما علمت . قال في النهر : لأنه إذا كان لكل يمين مدة على حدة فلا تداخل بين المدتين حتى تلزمه الكفارتان ، إلا أن يراد القربان في مدتيهما ، كذا في الحواشي السعدية . وعندي أن هذا الحل مما يجب المصير إليه . ا هـ .

قلت : وما وقع في الفتح وتبعه عليه في البحر من قوله ولكن تتداخل المدتان ، فلو قربها في الشهرين الأولين لزمته كفارة واحدة إلخ سبق قلم ، وصوابه لا تتداخل ولم أر من نبه عليه ، ولكن المعنى الكلام ولواحقه .

[ ص: 430 ] تدل عليه ، وكذا صريح ما نقلناه عن النهر . وأما إذا لم يقل بعد الشهرين الأولين تصير مدتهما واحدة وتتأخر الثانية عن الأولى بيوم كذا في البحر والنهر ، وعبر الشارح عن هذا بقوله وإلا تعددت : أي وإن لم يقله تعددت الكفارة أخذا من قوله في الفتح لم يكن موليا لتداخل المدتين فتتأخر المدة الثانية عن الأولى بيوم واحد ، أو ساعة بحسب ما فصل بين اليمينين . فالحاصل من اليمينين الحلف على شهرين ويوم ، أو ساعة على حسب الفاصل ا هـ .

قلت : وحاصله أنه لما قال : لا أقربك شهرين ثم بعد يوم مثلا قال كذلك اتحدت المدتان لتعدد القسم كما مر لكن اليوم الفاصل بين اليمينين دخل في اليمين الأولى دون الثانية فلزم تكميل الشهرين في اليمين الثانية بزيادة يوم على الشهرين ، وهذا اليوم الزائد دخل في اليمين الثانية دون الأولى عكس اليوم الفاصل ، ولزم من هذا تداخل المدتين ما عدا اليومين المذكورين لأنه لم يجتمع عليهما يمينان ، فلو قربها في أحدهما تلزمه كفارة واحدة ، بخلاف بقية المدة لدخولها تحت اليمينين فتتعدد فيها الكفارة . هذا ما ظهر لي في هذا المقام .

( قوله : إلا يوما ) مثله الساعة ط عن الحموي ( قوله : لم يكن موليا للحال ) لأنه استثنى يوما منكرا فيصدق على كل يوم من أيام السنة حقيقة فيمكنه قربانها قبل مضي أربعة أشهر من غير شيء يلزمه ، وصرفه إلى الأخير - كما يقوله زفر - إخراج له عن حقيقته وهي التنكير إلى التعيين بلا حاجة ، بخلاف قوله إلا نقصان يوم لأن النقصان لا يكون عرفا إلا من آخرها ، وبخلاف قوله : أجرتك داري ، أو أجلت ديني سنة إلا يوما فإنه يراد الأخير لحاجة تصحيح العقد وتأخير المطالبة ، وبخلاف قوله : والله لا أكلم زيدا سنة إلا يوما لأن الحامل - وهو المغايظة - اقتضى عدم كلامه في الحال فتأخر ، والإيلاء قد يكون عن تراض كما مر وإن كان عن مغايظة لكن لزوم أحد المكروهين فيه - لو تأخر - عارض جهة المغايظة فتساقطا وعمل بمقتضى اللفظ وهو التنكير ، هذا حاصل ما في البحر والنهر ( قوله : بل إن قربها ) أي في يوم ولم يقربها بعده .

( قوله : صار موليا ) أي إذا غربت الشمس من ذلك اليوم لا بمجرد القربان . بخلاف قوله سنة إلا مرة فإنه إذا قربها صار موليا من ساعته بحر ( قوله : وإلا لا ) أي وإن لم يبق أربعة أشهر لا يصير موليا ( قوله : فيصير موليا ) أي مؤبدا لأن ما بعد اليوم المستثنى لا غاية له فيجري عليه ما مر من حكم الإيلاء المؤبد ، ولو حذف قوله " إلا يوما " وتركها سنة صار موليا ووقع عليه طلقتان فقط كما في البحر عن الولوالجية وقدمنا عبارتها ( قوله : لم يكن موليا أبدا ) سواء قربها ، أو لا بحر ( قوله : وهي بها ) أي قال ذلك والحال أن زوجته بمكة ( قوله : فيطأها ) أي في المدة من غير شيء يلزمه ، فإن كان لا يمكنه بأن كان بين الموضعين ثمانية أشهر صار موليا على ما في جوامع الفقه ، وأما على ما ذكره قاضي خان فالعبرة لأربعة أشهر . والذي يظهر ضعفه لإمكان خروج كل منهما إلى الآخر فيلتقيان في أقل من ذلك بحر . وفيه أنه لم يتحقق الإيلاء على كل من القولين لأنه الحلف على ترك قربانها والحلف هنا على عدم الدخول . وقد يجاب بأنه من كنايته فلا يكون موليا به إلا بالنية ط ( قوله : لبقاء الزوجية ) فيتناولها قوله تعالى { للذين يؤلون من نسائهم } واعترض بأن الإيلاء جزاء الظلم بمنع حقها من الجماع ، والرجعية لا حق لها فيه لا قضاء ولا ديانة حتى استحب له مراجعتها بدون الجماع فلا يكون ظالما . وأجاب شمس الأئمة الكردي بأن الحكم في المنصوص مضاف إلى النص لا إلى المعنى . وتمامه في العناية . قال في الفتح : ألا ترى لا يثبت الإيلاء وإن سقط حقها في الجماع لخوف الغيل [ ص: 431 ] على ولد ، أو غيره ، فعلم أن التعليل بالظلم باعتبار بناء الأحكام على الغالب ( قوله : ويبطل بمضي العدة ) أي بمضيها قبل تمام مدته ، أما لو كانت من ذوات الأقراء وامتد طهرها بانت بمضي مدته نهر .




الخدمات العلمية