الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( أنت طالق يوم أتزوجك فنكحها ليلا حنث بخلاف الأمر باليد ) أي أمرك بيدك يوم يقدم زيد فقدم ليلا لم تتخير ولو نهارا بقي للغروب ، والأصل أن اليوم متى قرن بفعل ممتد يستوعب المدة يراد به النهار كالأمر باليد فإنه يصح جعله بيدها يوما أو شهرا ، ومتى قرن بفعل لا يستوعبها يراد به مطلق الوقت [ ص: 272 ] كإيقاع الطلاق ، فإنه لو قال : طلقتك شهرا كان ذكر المدة لغوا وتطلق للحال

التالي السابق


مطلب في قولهم اليوم متى قرن بفعل ممتد ( قوله والأصل أن اليوم إلخ ) قيد باليوم لأن الليل لا يستعمل لمطلق الوقت بل هو اسم لسواد الليل وضعا وعرفا ، فلو قال : إن دخلت ليلا لم تطلق إن دخلت نهارا ، أما لفظ اليوم فيطلق على بياض النهار حقيقة اتفاقا قيل : وعلى مطلق الوقت حقيقة أيضا فيكون مشتركا ، وقيل : مجازا وهو الصحيح لأن المجاز أولى من الاشتراك : أي لعدم احتياجه إلى تكرر الوضع ، والمشهور أن اليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس والنهار من طلوعها إلى غروبها ولو نوى باليوم بياض النهار صدق قضاء ، لأنه نوى حقيقة كلامه فيصدق وإن كان فيه تخفيف على نفسه ذكره الزيلعي ، ثم اليوم إنما يكون لمطلق الوقت فيما لا يمتد إذا كان منكرا فلو عرف بأل التي للعهد الحضوري مثل لا أكلمك اليوم فإنه يكون لبياض النهار ، وتمامه في البحر . وما في النهر من أنه لو خرج الفرع المذكور على أن الكلام مما يمتد لاستغنى عن هذا التقييد فيه نظر لأنه يقتضي دخول الليل على القول بأن الكلام لا يمتد مع أن اليوم معرف بالعهد الحضوري فكيف يكون لغيره فالحق ما في البحر ، نعم قد يدخل الليل إذا اقترن المعرف بما يدخله كما في أمرك بيدك اليوم وغدا ، ففي الجامع الصغير دخلت فيه الليلة . قال في التلويح وليس مبنيا على أن اليوم لمطلق الوقت بل على أنه بمنزلة : أمرك بيدك يومين " وفي مثله يستتبع اسم اليوم الليلة ، بخلاف أمرك بيدك اليوم وبعد غد " فإن اليوم المنفرد لا يستتبع بإزائه من الليل . ا هـ . ( قوله متى قرن بفعل ممتد إلخ ) المراد بالممتد ما يصح ضرب المدة له كالسير والركوب والصوم وتخيير المرأة وتفويض الطلاق ، وبما لا يمتد عكسه كالطلاق والتزوج والكلام والعتاق والدخول والخروج بحر . فيقال : لبست الثوب يومين ، وركبت الفرس يوما ، بخلاف قدمت يومين ودخلت ثلاثة أيام تلويح . وذكر بعض محشيه أن المراد بامتداد اللبس والركوب امتداد بقائها مجازا والقرينة التقييد باليوم لا أصلهما أي لأن حقيقة الركوب الحركة التي يصير بها فوق الدابة واللبس جعل الثوب على بدنه وذلك غير ممتد ، وأشار الشارح بقوله يستوعب المدة إلى ما في شرح الوقاية من أن المراد امتداد يمكن أن يستوعب النهار لا مطلق الامتداد لأنهم جعلوا التكلم من قبيل غير [ ص: 272 ] الممتد ، ولا شك أنه يمتد زمانا طويلا لكن لا بحيث يستوعب النهار . ا هـ . وجزم به في الهداية بأن التكلم غير ممتد . وقال في البحر : إنه الحق وجزم به الهندي في شرح المغني بأنه ممتد ، وجعل ما في الهداية ظنا لبعض المشايخ ، ورجحه أيضا في الفتح . وعليه فلا حاجة إلى تقييد الامتداد بنهار بل هو مبني على القول الأول كما حققه صاحب النهر والمقدسي ، ويشير إليه قول التلويح : ما يصح ضرب المدة له تأمل ، وأشار بقوله كالأمر باليد إلى أن المراد بالفعل الممتد المظروف : أي العامل في اليوم لا الذي أضيف إليه اليوم فإنه لا عبرة بامتداده ، وعدمه عند المحققين لأنه وإن كان مظروفا أيضا لكنه ذكر لتعيين الظرف ، والمقصود بذكر الظرف إنما هو إفادة وقوع العامل فيه . وحاصله أن الصور أربع لأنه قد يكون المضاف إليه ، ومظروف اليوم مما يمتد كأمرك بيدك يوم يركب زيد وقد يكونان من غير الممتد كأنت طالق يوم يقدم زيد وفي هذين لا فرق بين اعتبار المضاف إليه أو المظروف ، وقد يكون المظروف ممتدا والمضاف إليه غير ممتد كأمرك بيدك يوم يقدم زيد ، أو بالعكس كأنت حر يوم يركب زيد ، وفي هذين يظهر الفرق ، واتفقوا فيهما على اعتبار المظروف فإذا قدم زيد أو ركب ليلا لا يكون الأمر بيدها ولا يعتق العبد اتفاقا ووقع في كلام بعضهم أن المعتبر المضاف إليه لكنه لم يعتبره في هذين بل اعتبره في الأولين وقد علمت أنه لا فرق فيهما بين اعتبار المضاف إليه أو المظروف ، فعلى هذا لا خلاف في الحقيقة كما في الكشف والتلويح وغيرهما وبه يرد على من حكى الخلاف ، وعلى ما في الزيلعي وشرح الوقاية من ترجيح اعتبار الممتد منهما كما في البحر . ثم اعلم أن ما ذكر من الأصل إنما هو عند الإطلاق والخلو عن الموانع ، فلا تمتنع مخالفته للقرينة ، فكثيرا ما يمتد الفعل مع كون اليوم لمطلق الوقت ، مثل اركبوا يوم يأتيكم العدو ، وأحسنوا الظن بالله يوم يأتيكم الموت ، وبالعكس مثل أنت طالق يوم يصوم زيد ، وأنت حر يوم تكسف الشمس ، أفاده في التلويح ( قوله كإيقاع الطلاق ) أشار به إلى أن قولهم : الطلاق مما لا يمتد المراد به إيقاعه لا كون المرأة طالقا لأنه يمتد بل هو أمر مستمر لا فائدة في تعليق الظرف به كما أفاده صدر الشريعة . والحاصل أن المراد إنشاء الطلاق وهو لا يمتد بل ينقضي بمجرد صدوره لا أثره وهو كونها طالقا .




الخدمات العلمية