الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو ) ( تمجس أبو صغيرة نصرانية تحت مسلم ) بانت بلا مهر ولو كان ( قد ماتت الأم نصرانية ) مثلا وكذا عكسه ( لم تبن ) لتناهي التبعية بموت أحدهما ذميا أو مسلما أو مرتدا فلم تبطل بكفر الآخر .

وفي المحيط : لو ارتدا لم تبن ما لم يلحقا ، ولو بلغت عاقلة مسلمة ثم جنت فارتدا [ ص: 200 ] لم تبن مطلقا . مسلم تحته نصرانية فتمجسا أو تنصرا بانت .

التالي السابق


( قوله بانت ) أي تمجست الأم أيضا ، ولا حاجة إلى هذه الزيادة مع هذا الإيهام ، والأحسن إبقاء المتن على حاله . وأظن أن الشارح زاد ألفا في قول المتن أبو صغيرة فصار أبوا بلفظ التثنية فأسقطها النساخ ، فلتراجع النسخ . وذكر ط عن الهندية أن مثل الصغيرة ما إذا بلغت معتوهة لبقائها تابعة للأبوين في الدين لأنه ليس للمعتوهة إسلام بنفسها حقيقة فكانت بمنزلة الصغيرة من هذا الوجه

( قوله بلا مهر ) أي إن لم يدخل بها ح ( قوله مثلا ) راجع إلى قوله ماتت : أي أن الموت غير قيد ، أو إلى قوله نصرانية أي أو يهودية ( قوله وكذا عكسه ) بأن تمجست أمها بعد أن مات أبوها نصرانيا ح ( قوله لتناهي التبعية ) أي انتهاء تبعية الولد للأبوين ( قوله بموت أحدهما ذميا إلخ ) أي إذا مات أحد الكتابيين ذميا أو مسلما ثم تمجس الباقي منهما لا يتبعه الولد ، وكذا لو مات أحدهما مرتدا ، لأن حكم المرتد الجبر على الإسلام فله حكم المسلم ، حتى أن كسب إسلامه يرثه وارثه المسلم فهو أقرب إلى الإسلام من الكتابي وغيره .

قال في البحر : ولو مات أحد الأبوين في دارنا مسلما أو مرتدا ثم ارتد الآخر ولحق بها ثم بدار الحرب لم تبن ويصلى عليها إذا ماتت لأن التبعية حكم تناهى بالموت مسلما وكذا بالموت مرتدا لأن أحكام الإسلام قائمة ( قوله فلم تبطل ) أي التبعية بكفر الآخر . قال ط : والأولى أن يقول يتمجس الآخر لأنه كان أولا كافرا غاية الأمر أنه انتقل إلى حالة من الكفر شر من التي كان عليها . بقي أن يقال : إن التبعية إنما تناهت وانقطعت عمن بقي من الوالدين بتمجسه لا بموت أحدهما لأنه لو أسلم من بقي تبعته ابنته . ا هـ .

والجواب أن المراد انقطاع التبعية عن الباقي منهما إذا انتقل إلى حالة دون التي كان عليها ، لما تقرر أن الولد إنما يتبع خير الأبوين دينا أو أخفهما شرا ، فالمراد بالتبعية المتناهية هذه فافهم ( قوله لم تبن ) لأن البنت مسلمة تبعا لهما وتبعا للدار بحر ( قوله ما لم يلحقا ) أي بالبنت ، فإن لحقا بها بدار الحرب بانت لانقطاع حكم الدار بحر أي بانت من زوجها لتباين الدارين ولأنها صارت مرتدة تبعا لهما قال في شرح تلخيص الجامع الكبير : وهذا بخلاف ما إذا كانت الصغيرة تعقل [ ص: 200 ] وتعبر عن نفسها حيث لا تبين وإن لحقا بها ، إلا إذا ارتدت بنفسها فحينئذ تبين عندهما خلافا لأبي يوسف . ا هـ . فتأمله مع ما قدمنا من أن التبعية لا تنقطع قبل البلوغ ، وقيدنا بلحاقهما بالبنت لأنه إذا لحقا وتركاها فإنها لا تبين كما قدمناه عن شرح التحرير . قال في النهر : في الفرق بين ما لو تمجسا أو ارتدا تأمل فتدبر . ا هـ .

قلت : الفرق ظاهر : وهو أن البنت بارتداد أبويها المسلمين تبقى مسلمة تبعا لهما وللدار لأن المرتد مسلم حكما لجبره على الإسلام ، فلذا لم تبن من زوجها ما لم يلحقا بها للتباين وانقطاع ولاية الجبر ، بخلاف تمجس أبويها النصرانيين لأنها تتبعهما في التمجس لعدم جبرهما على العود إلى النصرانية فصار كارتداد المسلمين مع لحاقهما ، ولا يمكن تبعيتها للدار مع بقاء تبعية الأبوين فلذا بانت من زوجها فتدبر ( قوله لم تبن مطلقا ) أي سواء لحقا بها أو لا لأنها مسلمة أصالة لا تبعا ، وكذلك الصبية العاقلة أسلمت ثم جنت لأنها صارت أصلا في الإسلام بحر عن المحيط ( قوله فتمجسا ) أي المسلم وزوجته النصرانية معا ، وقوله أو تنصرا صوابه أو تهودا لأن موضوع المسألة أن الزوجة نصرانية . قال في النهر : قيد بالردة لأن المسلم لو كان تحته نصرانية فتهود وقعت الفرقة بينهما اتفاقا .

واختلف الشيخان فيما لو تمجسا . قال أبو يوسف تقع . وقال محمد لا تقع . لأبي يوسف أن الزوج لا يقر على ذلك والمرأة تقر فصار كردة الزوج وحده . وفرق محمد بأن المجوسية لا تحل للمسلم فأحدثها كالارتداد ا هـ أي فكأنهما ارتدا معا . ثم الذي في البحر عن المحيط تأخير تعليل أبي يوسف وظاهره اعتماده ، وهو ظاهر قوله في الفتح أيضا تقع الفرقة عند أبي يوسف خلافا لمحمد فلذا جزم به الشارح




الخدمات العلمية