الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( والقسم بالله تعالى ) ولو برفع الهاء أو نصبها أو حذفها كما يستعمله الأتراك ، وكذا واسم الله كحلف النصارى وكذا باسم الله لأفعل كذا عند محمد ورجحه في البحر ، بخلاف بله بكسر اللام إلا إذا كسر الهاء وقصد اليمين ( وباسم من أسمائه ) ولو مشتركا تعورف الحلف به أو لا على المذهب ( كالرحمن والرحيم ) والحليم والعليم ومالك يوم الدين [ ص: 711 ] والطالب الغالب ( والحق ) معرفا لا منكرا كما سيجيء . وفي المجتبى : لو نوى بغير الله غير اليمين دين ( أو بصفة ) يحلف بها عرفا ( من صفاته تعالى ) [ ص: 712 ] صفة ذات لا يوصف بضدها ( كعزة الله وجلاله وكبريائه ) وملكوته وجبروته ( وعظمته وقدرته ) أو صفة فعل يوصف بها وبضدها كالغضب والرضا ، فإن الأيمان مبنية على العرف ، فما تعورف الحلف به فيمين وما لا فلا .

التالي السابق


( قوله والقسم بالله تعالى ) أي بهذا الاسم الكريم ( قوله ولو برفع الهاء ) مثله سكونها كما في مجمع الأنهر . قال وهذا إذا ذكر بالباء ، وأما بالواو فلا يكون يمينا إلا بالجر . ا هـ . ح .

قلت : أما الرفع مع الواو فلأنه يصير مبتدأ وكذا النصب لأنه يصير مفعولا لنحو أعبد فلا يكون يمينا ، وأما السكون فغير ظاهر لأنه إذا كان مجرورا وسكن لا يخرج عن كونه يمينا ، على أن الرفع يحتمل تقدير خبره قسمي كما سيأتي في حذف حرف القسم .

والحاصل أن تخصيص ما ذكر بالباء مشكل ، ولعل المراد أن غير المجرور مع الواو لا يكون صريحا في القسم فيحتاج إلى النية ، وهذا كله إن كان ما ذكره منقولا ولم أره ، نعم ذكروا ذلك في حذف حرف القسم . ففي الخانية لو قال الله لا أفعل كذا وسكن الهاء أو نصبها لا يكون يمينا لانعدام حرف القسم إلا أن يعربها بالكسر ، لأن الكسر يقتضي سبق الخافض وهو حرف القسم . وقيل يكون يمينا بدون الكسر . ا هـ . ومثله في البحر عن الظهيرية . وفي الجوهرة : وإن نصبه اختلفوا فيه والصحيح يكون يمينا . ا هـ .

قلت : ومثله تسكين الهاء على ما حققه في الفتح من عدم اعتبار الإعراب كما سنذكره عند الكلام على حروف القسم ( قوله أو حذفها ) قال في المجتبى : ولو قال والله بغير هاء كعادة الشطار فيمين .

قلت : فعلى هذا ما يستعمله الأتراك بالله بغير هاء يمين أيضا ا هـ وهكذا نقله عنه في البحر ، ولعل أحد الموضعين بغير هاء وبالواو لا بالهمز أي بغير الألف التي هي الحرف الهاوي تأمل ، ثم رأيته كذلك في الوهبانية . وقال ابن الشحنة في شرحها : المراد بالهاوي الألف بين الهاء واللام ، فإذا حذفها الحالف أو الذابح أو الداخل في الصلاة قيل لا يضر لأنه سمع حذفها في لغة العرب ، وقيل يضر ( قوله وكذا واسم الله ) في البحر عن الفتح : قال باسم الله لأفعلن المختار ليس يمينا لعدم التعارف وعلى هذا بالواو ، إلا أن نصارى ديارنا تعارفوه فيقولون واسم الله ا هـ أي فيكون يمينا لمن تعارفه مثلهم لا لهم ، لما مر من أن شرطه الإسلام ( قوله ورجحه في البحر ) حيث قال : والظاهر أن باسم الله يمين كما جزم به في البدائع معللا بأن الاسم والمسمى واحد عند أهل السنة والجماعة فكان الحلف بالاسم حلفا بالذات كأنه قال بالله ا هـ والعرف لا اعتبار به في الأسماء . ا هـ . ومقتضاه أن " واسم الله " كذلك فلا يختص به النصارى ( قوله بكسر اللام إلخ ) أي بدون مد . والظاهر أن مثله بالأولى المد على صورة الإمالة ، وكذا فتح اللام بدون مد لأن ذلك كله يتكلم به كثير من البلاد فهو لغتهم ، لكن إذا تكلم به من كان ذلك لغته فالظاهر أنه لا يشترط فيه قصد اليمين تأمل ( قوله ولو مشتركا إلخ ) وقيل كل اسم لا يسمى به غيره تعالى كالله والرحمن فهو يمين ; وما يسمى به غيره كالحليم والعليم ، فإن أراد اليمين كان يمينا وإلا لا ورجحه بعضهم بأنه حيث كان مستعملا لغيره تعالى أيضا لم تتعين إرادة أحدهما إلا بالنية . ورده الزيلعي بأن دلالة القسم معينة لإرادة اليمين إذ القسم بغيره تعالى لا يجوز ، نعم إذا نوى غيره صدق لأنه نوى محتمل كلامه . وأنت خبير بأن هذا مناف لما قدمه من أن العامة يجوزون الحلف بغير الله تعالى نهر . [ ص: 711 ]

أقول : هذا غفلة عن تحرير محل النزاع ، فإن الذي جوزه العامة ما كان تعليق الجزاء بالشرط لا ما كان فيه حرف القسم كما قدمناه .

والحاصل كما في البحر أن الحلف بالله تعالى لا يتوقف على النية ولا على العرف على الظاهر من مذهب أصحابنا وهو الصحيح . قال : وبه اندفع ما في الولوالجية ، من أنه : لو قال والرحمن لا أفعل إن أراد به السورة لا يكون يمينا لأنه يصير كأنه قال والقرآن ، وإن أراد به الله تعالى يكون يمينا . ا هـ . لأن هذا التفصيل في الرحمن قول بشر المريسي ( قوله والطالب الغالب ) فهو يمين وهو متعارف أهل بغداد كذا في الذخيرة والولوالجية . وذكر في الفتح أنه يلزم إما اعتبار العرف فيما لم يسمع من الأسماء فإن الطالب لم يسمع بخصوصه بل الغالب في قوله تعالى { والله غالب على أمره } - وإما كونه بناء على القول المفصل في الأسماء ا هـ أي من أنه تعتبر النية والعرف في الاسم المشترك كما مر . وأجاب في البحر بأن المراد أنه بعد ما حكم بكونه يمينا أخبر بأن أهل بغداد تعارفوا الحلف بها . ا هـ .

قلت : ينافيه قوله في مختارات النوازل فهو يمين لتعارف أهل بغداد ، حيث جعل التعارف علة كونه يمينا فلا محيص عما قاله في الفتح . وأيضا عدم ثبوت كون الطالب من أسمائه تعالى لا بد له من قرينة تعين كون المراد به اسم الله تعالى وهي العرف مع اقترانه بالغالب المسموع إطلاقه عليه تعالى ، وهو وإن كان مسموعا لكنه لم يجعل مقسما به أصالة بل جعل صفة له فلا يكون قسما بدونه كما في الأول الذي ليس قبله شيء فإنه لا يقسم بالأول بدون هذه الصفة ، ومثله الآخر الذي ليس بعده شيء فافهم . وما وقع في البحر من عطف الغالب بالواو فهو خلاف الموجود في الولوالجية والذخيرة وغيرهما ( قوله كما سيجيء ) أي بعد ورقة ، وسيجيء تفصيله وبيانه ( قوله وفي المجتبى إلخ ) المراد به الأسماء المشتركة كما في البحر ، وقدمناه آنفا عن الزيلعي معللا بأنه نوى محتمل كلامه وظاهره أن يصدق قضاء . وعبارة المجتبى : واليمين بغير الله تعالى إذا قصد بها غير الله تعالى لم يكن حالفا بالله ، لكن في البحر عن البدائع فلا يكون يمينا لأنه نوى محتمل كلامه فيصدق في أمر بينه وبين ربه تعالى ا هـ ولا يصدق قضاء لأنه خلاف الظاهر كما مر .

[ تنبيه ] اعترض بعض الفضلاء التعبير بالقضاء والديانة بما في البحر عند قوله ولو زاد ثوبا إلخ من أن الفرق بين الديانة والقضاء إنما يظهر في الطلاق والعتاق لا في الحلف بالله تعالى لأن الكفارة حقه تعالى ليس للعبد فيها مدخل حتى يرفع الحالف إلى القاضي . ا هـ .

قلت : قد يظهر فيما إذا علق طلاقا أو عتقا على حلفه ثم حلف بذلك فافهم ( قوله أو بصفة إلخ ) المراد بها اسم المعنى الذي لا يتضمن ذاتا ولا يحمل عليها بهو هو كالعزة والكبرياء والعظمة ، بخلاف نحو العظيم ، وتتقيد بكون الحلف بها متعارفا سواء كانت صفة ذات أو فعل ، وهو قول مشايخ ما وراء النهر . ولمشايخ العراق تفصيل آخر ، وهو أن الحلف بصفات الذات يمين لا بصفات الفعل . وظاهره أنه لا اعتبار عندهم للعرف وعدمه فتح ملخصا ، ومثله في الشرنبلالية عن البرهان بزيادة التصريح بأن الأول هو الأصح . وقال الزيلعي : والصحيح الأول لأن صفات الله تعالى كلها صفات الذات وكلها قديمة والأيمان مبنية على العرف ، ما يتعارف الناس الحلف به يكون يمينا وما لا فلا ا هـ . ومعنى قوله كلها صفات الذات أن الذات الكريمة موصوفة بها فيزاد بها الذات ، سواء كانت مما يسمى صفة ذات أو صفة فعل فيكون الحلف بها حلفا بالذات ، وليس مراده نفي صفة الفعل تأمل .

[ ص: 712 ] ثم رأيت المصنف استشكله وأجاب بأن مراده أن صفات الفعل ترجع في الحقيقة إلى القدرة عند الأشاعرة والقدرة صفة ذات ا هـ وما قلناه أولى تأمل ( قوله صفة ذات ) مع قوله بعده أو صفة فعل بدل مفصل من مجمل ، وقوله لا يوصف بضدها إلخ بيان للفرق بينهما كما في الزيلعي وغيره ( قوله كعزة الله ) قال القهستاني : أي غلبته من حد نصر ، أو عدم النظير من حد ضرب ، أو عدم الحط من منزلته من حد علم ، وقوله وجلاله : أي كونه كامل الصفات وقوله وكبريائه : أي كونه كامل الذات ا هـ ( قوله وملكوته وجبروته ) بوزن فعلوت وزيادة الهمزة في جبروت خطأ فاحش . وفي شرح الشفاء للشهاب : الملكوت صفة مبالغة من الملك كالرحموت من الرحمة ، وقد يخص بما يقابل عالم الشهادة ويسمى عالم الأمر ، كما أن مقابله يسمى عالم الشهادة وعالم الملك ا هـ وفي شرح المواهب : قال الراغب : أصل الجبر إصلاح الشيء بضرب من القهر . وقد يقال في الإصلاح المجرد كقول علي : يا جابر كل كسير ومسهل كل عسير ، وتارة في القهر المجرد ا هـ أفاده ط ( قوله وعظمته ) أي كونه كامل الذات أصالة وكامل الصفات تبعا ، وقوله وقدرته : أي كونه يصح منه كل من الفعل والترك قهستاني ( قوله كالغضب والرضا ) أي الانتقام والإنعام ، وهذا تمثيل لصفة الفعل في حد ذاتها ، فلا ينافي ما يأتي أن الرضا والغضب لا يحلف بهما ط ( قوله فإن الأيمان مبنية على العرف ) علة للتقييد بقوله عرفا ط وهذا خاص بالصفات ، بخلاف الأسماء فإنه لا يعتبر العرف فيها كما مر .




الخدمات العلمية