الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( حلفه وال ليعلمنه بكل داعر ) بمهملتين أي مفسد ( دخل البلدة تقيد ) حلفه ( بقيام ولايته ) بيان لكون اليمين المطلقة تصير مقيدة بدلالة الحال وينبغي تقييد يمينه بفور علمه وإذا سقطت لا تعود ، ولو ترقى بلا عزل إلى [ ص: 845 ] منصب أعلى فاليمين باقية لزيادة تمكنه فتح ومن هذا الجنس مسائل منها ما ذكره بقوله ( كما لو حلف رب الدين غريمه أو الكفيل بأمر المكفول عنه أن لا يخرج من البلد إلا بإذنه تقيد بالخروج حال قيام الدين والكفالة ) لأن الإذن إنما يصح ممن له ولاية المنع وولاية المنع حال قيامه ( و ) منها ( لو حلف لا تخرج امرأته إلا بإذنه تقيد بحال قيام الزوجية ) بخلاف لا تخرج امرأته من الدار لعدم دلالة التقييد زيلعي .

التالي السابق


مطلب حلفه وال ليعلمنه بكل داعر

( قوله تقيد حلفه بقيام ولايته ) هذا التخصيص بالزمان ثبت بدلالة الحال وهو العلم بأن المقصود من هذا الاستحلاف زجره بما يدفع شره أو شر غيره بزجره لأنه إذا زجر داعرا انزجر آخر ، وهذا لا يتحقق إلا في حال ولايته لأنها حال قدرته على ذلك فلا يفيد فائدته بعد زوال سلطنته ، والزوال بالموت وكذا بالعزل في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف أنه يجب عليه إعلامه بعد العزل فتح ( قوله وينبغي تقييد يمينه بفور علمه ) هذا بحث لابن همام فإنه قال وفي شرح الكنز ثم إن الحالف لو علم بالداعر ولم يعلم به لم يحنث إلا إذا مات هو أو المستحلف أو عزل لأنه لا يحنث في اليمين المطلقة إلا باليأس إلا إذا كانت مؤقتة فيحنث بمضي الوقت مع الإمكان ا هـ ولو حكم بانعقاد هذه للفور لم يكن بعيدا نظرا إلى المقصود وهو المبادرة لزجره ودفع شره ، والداعي يوجب التقييد بالفور أي فور علمه به ا هـ وأقره في البحر والنهر والمنح و اعترض بأنه خلاف ظاهر الرواية ، ففي العناية وليس يلزمه الإعلام حال دخوله ، وإنما يلزمه أن لا يؤخر الإعلام إلى ما بعد موت الوالي أو عزله على ظاهر الرواية . ا هـ .

قلت : قوله على ظاهر الرواية : راجع إلى قوله : أو عزله أي بناء على ظاهر الرواية من أن العزل كالموت في زوال الولاية خلافا لما عن أبي يوسف كما يعلم مما نقلناه سابقا على الفتح ، ولا شك أن التقييد بالفور عند قيام القرينة حكم ثابت في المذهب . فصار حاصل بحث ابن الهمام أن الوالي إذا كان مراده دفع الفساد في البلد وحلف رجلا بأن يعلمه بكل مفسد دخل البلد ، فليس مراده أن يخبره بعد إفساده سنين في البلد بل مراده إخباره به قبل إظهاره الفساد فهذا قرينة واضحة على أن هذه اليمين يمين الفور الثابت حكمها في المذهب ، فما في شرح الكنز والعناية مبني على عدم قيام قرينة الفور ، وما بحثه ابن الهمام مبني على قيامها فحيث قامت القرينة على الفور حكم بها بنص المذهب وإلا فلا فلم يكن بحثه مخالفا للمنقول بل هو معقول مقبول فلذا أقره عليه الفحول فافهم ( قوله وإذا سقطت لا تعود ) أي إذا سقطت بالعزل كما هو ظاهر الرواية كما مر لا تعود بعوده إلى الولاية ( قوله ولو ترقى بلا عزل إلخ ) هذا لم يذكره في الفتح ، بل ذكره في البحر بحثا بقوله : ولم أر حكم ما إذا عزل من وظيفته ، وتولى وظيفة أخرى أعلى منها ، وينبغي أن لا تبطل اليمين لأنه صار متمسكا من إزالة الفساد أكثر من الحالة الأولى . ا هـ .

قلت : الظاهر أن محل هذا ما إذا لم يكن فاصل بين عزله وتوليته ، بل المراد ترقيه في الولاية ، وانتقاله عن الأولى إلى أعلى منها ولذا عبر الشارح بقوله : ولو ترقى بلا عزل أما لو عزل ثم تولى بعد مثلا فقد تحقق سقوط [ ص: 845 ] اليمين والساقط لا يعود ( قوله ومن هذا الجنس ) أي جنس ما تقيد بالمعنى وإن كان مطلقا في اللفظ ( قوله أو الكفيل بأمر المكفول عنه ) كذا وقع في البحر ، ولم يذكر في الفتح والنهر لفظ الأمر ، ولذا قيل إنه لا فائدة للتقييد به أقول أي لأن رب الدين له ولاية المطالبة على الكفيل سواء كان كفيلا بأمر المكفول عنه أو لا لكن هذا بناء على أن الكفيل منصوب عطفا على غريمه ولفظ أمر مضاف إلى المكفول عنه ، وليس كذلك بل الكفيل مرفوع عطفا على رب الدين ولفظ أمر بالتنوين ، والمكفول عنه منصوب عطف على غريمه مفعول حلف ويوضحه قول كافي النسفي أو الكفيل بالأمر المكفول عنه ، وعليه فالتقييد بالأمر له فائدة ظاهرة لأن الكفيل له بالأمر له الرجوع على المكفول عنه فيصير بمنزلة رب الدين فلذا كان لتحليفه المكفول فائدة ويتقيد تحليفه بمدة قيام الدين بمنزلة رب الدين فافهم وفي الخانية الكفيل بالنفس إذا حلف الأصيل لا يخرج من البلدة إلا بإذنه فقضى الأصيل دين الطالب ثم خرج بعد ذلك لا يحنث ( قوله وولاية المنع حال قيامه ) أي قيام الدين ومفاده أن ذلك فيما إذا لم يكن الدين مؤجلا إذ ليس له منعه من الخروج ولا مطالبته قبل حلول الأجل ، وفيما إذا أدى الكفيل لرب المال إذ ليس له مطالبة المكفول عنه قبل الأداء نعم له ملازمته أو حبسه إذا لوزم الكفيل أو حبس فليتأمل .

( قوله لعدم دلالة التقييد ) لأنه لم يذكر الإذن فلا موجب لتقييده بزمان الولاية في الإذن ، وعلى هذا لو قال لامرأته : كل امرأة أتزوجها بغير إذنك فطالق ، فطلق امرأته طلاقا بائنا أو ثلاثا ، ثم تزوج بغير إذنها طلقت لأنه لم تتقيد يمينه ببقاء النكاح لأنها إنما تتقيد به لو كانت المرأة تستفيد ولاية الإذن والمنع بعقد النكاح . ا هـ . فتح أي بخلاف الزوج فإنه يستفيد ولاية الإذن بالعقد وكذا رب الدين ، كما في الذخيرة وما قيل من أن الإضافة في قوله : امرأتي تدل على التقييد لأنها بعد العدة لم تبق امرأته مدفوع بأن الإضافة لا للتقييد ، بل للتعريف كما قالوا في قوله إن قبلت امرأتي فلانة فعبدي حر فقبلها بعد البينونة يحنث فافهم ، وانظر ما قدمناه في التعليق من كتاب الطلاق .




الخدمات العلمية