الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويبطل تنجيز الثلاث ) للحرة والثنتين للأمة ( تعليقه ) للثلاث وما دونها إلا المضافة إلى الملك كما مر ( لا تنجيز ما دونها ) .

اعلم أن التعليق يبطل بزوال الحل لا بزوال الملك فلو علق الثلاث أو ما دونها بدخول الدار ثم نجز الثلاث ثم نكحها بعد التحليل بطل التعليق فلا يقع بدخولها شيء ، ولو كان نجز ما دونها لم يبطل فيقع المعلق كله ، وأوقع محمد فيه الأول وهي مسألة الهدم الآتية [ ص: 349 ] وثمرته فيمن علق واحدة ثم نجز ثنتين ثم نكحها بعد زوج آخر فدخلت له رجعتها خلافا لمحمد وكذا يبطل بلحاقه مرتدا بدار الحرب خلافا لهما ، وبفوت محل البر كإن كلمت فلانا أو دخلت هذه الدار فمات أو جعلت بستانا كما بسطناه فيما علقناه على الملتقى وستجيء مسألة الكوز بفرعها [ ص: 350 ]

[ فرع ] قال لزوجته الأمة : إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فعتقت فدخلت له رجعتها قنية

التالي السابق


( قوله تعليقه للثلاث ) هذا خاص بالحرة ، وقولهم وما دونها يعم الحرة والأمة ، وتقديره في الأمة : ويبطل تنجيز الثنتين في الأمة تعليق ما دون الثلاث ، وهو صادق بالثنتين وبالواحدة وظاهر عبارة الشارح أن ضمير تعليقه للزوج المعلق ، وهو أولى من عوده على الطلاق لأن الأصل إضافة المصدر إلى فاعله كما ذكره في النهر ط ( قوله إلا المضافة إلى الملك ) أي في نحو : كلما تزوجت امرأة فهي طالق ثلاثا فطلق امرأته ثلاثا ثم تزوجها فإنها تطلق لأن ما نجزه غير ما علقه ، فإن المعلق طلاق ملك حادث فلا يبطله تنجيز طلاق ملك قبله ( قوله كما مر ) لم يتقدم ذلك في كلامه صريحا . ويمكن أن يكون مراده ما قدمه في فصل المشيئة فيما لو قال لها أنت طالق كلما شئت فطلقت بعد زوج آخر لا يقع إن كانت طلقت نفسها ثلاثا متفرقة ( قوله يبطل بزوال الحل ) وذلك بوقوع الثلاث ، وقوله لا بزوال الملك : أي بوقوع ما دونها ، فإن الملك وإن زال به عند انقضاء العدة لكن الحل ثابت ، فإن له أن يعود إليها بلا زوج آخر محلل ، بخلاف الثلاث ، فإن وقوعها يزيل الحل بالكلية بحيث لا يعود إلا بمحلل ; ولما كان المعلق هو طلقات هذا الملك بطل التعليق بزوالها لا بزوال ما دونها .

( قوله بطل التعليق ) أي لزوال الحل بتنجيز الثلاث ( قوله لم يبطل ) لأنه لم يزل الحل بتنجيز ما دون الثلاث وإن زال الملك ( قوله فيقع المعلق كله ) لأن بطلان التعليق بزوال الحل ولم يزل فيبقى التعليق ، فإذا وجد المعلق عليه وهو دخول الدار يقع المعلق وهو الثلاث ، ولا ينافيه قولهم إن المعلق طلقات هذا الملك وقد زال بعضها لأنه مقيد بما إذا كانت الثلاث باقية ، فإذا زال بعضها صار المعلق ثلاثا مطلقة ، كما أفاده في الفتح وقدمناه قبل هذا الباب ( قوله بقية الأول ) أي ما بقي من طلقات النكاح الأول ( قوله وهي مسألة الهدم الآتية ) قدمنا قبل هذا [ ص: 349 ] الباب الكلام عليها .

وحاصلها أن الزوج الثاني يهدم الثلاث وما دونها عندهما ، وعند محمد يهدم الثلاث فقط ( قوله وثمرته ) أي ثمرة الخلاف في مسألة الهدم ( قوله له رجعتها ) أي عندهما لأن الزوج الثاني عدم الواحدة الباقية وعادت المرأة إلى الأول بملك جديد فيملك عليها ثلاث طلقات فإذا دخلت الدار تقع واحدة من الثلاث ويبقى منها ثنتان فيملك الرجعة ( قوله خلافا لمحمد ) فعنده لا يملك الرجعة لعودها بما بقي من الملك الأول وهي واحدة ، وقد وقعت بالدخول ط ( قوله وكذا يبطل ) أي التعليق ، وهذا عطف على المتن ح ( قوله بلحاقه ) بفتح اللام ط عن القاموس ( قوله خلافا لهما ) أي للصاحبين ، فعندهما لا يبطل التعليق لأن زوال الملك لا يبطله ، وله أن بقاء تعليقه باعتبار قيام أهليته وبالارتداد ارتفعت العصمة فلم يبق تعليقه لفوات الأهلية ، فإذا عاد إلى الإسلام لم يعد ذلك التعليق الذي حكم بسقوطه بحر عن شرح المجمع للمصنف ( قوله وبفوت محل البر إلخ ) نقله في البحر عن الثاني ، لكن بلفظ : ومما يبطله فوت محل الشرط كفوت محل الجزاء ، كما إذا قال إن كلمت فلانا إلخ والتمثيل المذكور لفوات محل الشرط ، فإن الشرط هو كلمت ودخلت : أي مضمونهما وهو الكلام والدخول ، ومحلهما هو فلان والدار المشار إليها ، وفوت محل الجزاء كموت المرأة التي هي محل الطلاق ، فإن بفوت هذين المحلين يبطل التعليق لأن التعليق لا بد أن يكون على أمر على خطر الوجود وقد تحقق عدمه

ولا يقال : يمكن حياة زيد بعد موته وإعادة البستان دارا لأن يمينه انعقدت على حياة كانت فيه . كما قالوا في ليقتلن فلانا ، وما أعيد بعد البناء دار أخرى غير المشار إليها كما صرحوا به أيضا في لا يدخل هذه الدار تأمل .

مطلب في مسألة الكوز

( قوله وستجيء مسألة الكوز بفروعها ) أي في باب اليمين في الأكل والشرب من كتاب الأيمان . وحاصلها أن إمكان تصور البر في المستقبل شرط انعقاد اليمين وشرط بقائها خلافا لأبي يوسف ، فلو حلف ليشربن ماء هذا الكوز اليوم ولا ماء فيه أو كان فيه فصب قبل مضي اليوم لا يحنث عندهما لعدم انعقادها في الأول ولبطلانها في الثاني ، وإن لم يقل اليوم ولا ماء فيه فكذلك لعدم انعقادها . أما إذا كان فيه ماء فصب فإنه يحنث اتفاقا لانعقادها بإمكان البر ثم يحنث بالصب لأن البر يجب عليه كما فرغ ، فإذا صب فات البر فيحنث كما لو مات الحالف والماء باق ، بخلاف المؤقتة فإنه لا يجب عليه البر إلا في آخر أجزاء الوقت المعين . ومن فروعها ليقتلن زيدا اليوم ، أو ليأكلن هذا الرغيف اليوم ، أو ليقضين دينه غدا فمات زيد أو أكل الرغيف غيره قبل مضي اليوم ، أو قضى الدين أو أبرأه فلان قبل الغد لم يحنث ، وتمامه في البحر من الأيمان .

أقول : وإنما لم يذكر هذا التفصيل في المسألة السابقة لأن شرط الحنث فيها أمر وجودي وهو الكلام أو الدخول فإذا مات أو جعلت بستانا فقد فات المحل ووقع اليأس من الحنث فلا فائدة في بقاء اليمين ، سواء كانت مؤقتة أو مطلقة بخلاف ما إذا كان شرط الحنث أمرا عدميا ، مثل : إن لم أكلم زيدا أو إن لم أدخل فإنها لا تبطل بفوت المحل بل يتحقق به الحنث لليأس من شرط البر وهذا إذا لم يكن شرط البر مستحيلا ، وإلا فهو مسألة الكوز ، وقد علمت ما فيها من التفصيل ، وليس منها قوله لأصعدن السماء ، فإن اليمين فيها منعقدة ويحنث عقبها لأن صعود السماء أمر ممكن [ ص: 350 ] في نفسه ، وقد وقع لبعض الأنبياء وللملائكة وغيرهم ، ولكنه يحنث عقب اليمين أو في آخر الوقت في المؤقتة لتحقق اليأس عادة ، وهذا بخلاف مسألة الكوز ، فإن شرب ما ليس موجودا في الكوز أو ما أريق منه غير ممكن في نفسه ولا في العادة فلذا تبطل اليمين ، ولا يحنث إلا إذا صب منه وكانت اليمين مطلقة كما سيأتي تحقيقه في الأيمان إن شاء الله تعالى ، وانظر ما سنذكره آخر الباب ( قوله له رجعتها ) لأنه لما علق الثلاثة كانت أمة وهو لا يملك عليها إلا ثنتين فكان معلقا ثنتين ح




الخدمات العلمية