الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( العجمي لا يكون كفؤا للعربية ولو ) كان العجمي ( عالما ) أو سلطانا ( وهو الأصح ) فتح عن الينابيع وادعى في البحر أنه ظاهر الرواية وأقره المصنف لكن في النهر فسر الحسيب بذي المنصب والجاه فغير كفء للعلوية كما في الينابيع وإن بالعالم فكفء لأن شرف العلم فوق شرف النسب والمال كما جزم به البزازي وارتضاه الكمال وغيره [ ص: 93 ] والوجه فيه ظاهر ولذا قيل : إن عائشة أفضل من فاطمة رضي الله عنهما ذكره القهستاني

التالي السابق


( قوله لكن في النهر إلخ ) حيث قال ودل كلامه على أن غير العربي لا يكافئ العربي ، وإن كان حسيبا لكن في جامع قاضي خان قالوا الحسيب يكون كفؤا للنسيب ، فالعالم العجمي يكون كفؤا للجاهل العربي والعلوية لأن شرف العلم فوق شرف النسب وارتضاه في فتح القدير وجزم به البزازي وزاد والعالم الفقير يكون كفؤا للغني الجاهل والوجه فيه ظاهر لأن شرف العلم فوق شرف النسب فشرف المال أولى . نعم الحسب قد يراد به المنصب والجاه كما فسره به في المحيط عن صدر الإسلام هذا ليس كفؤا للعربية كما في الينابيع . ا هـ . كلام النهر ملخصا .

أقول : حيث كان ما في الينابيع من تصحيح عدم كفاءة الحسيب للعربية مبنيا على تفسير الحسيب بذي المنصب والجاه لم يصح ما ذكره المصنف من تصحيح عدم الكفاءة في العالم ، وعزوه في شرحه إلى الينابيع ، وذكر الخير الرملي عن مجمع الفتاوى : العالم يكون كفؤا للعلوية لأن شرف الحسب أقوى من شرف النسب وعن هذا قيل إن عائشة أفضل من فاطمة لأن لعائشة شرف العلم كذا في المحيط ، وذكر أيضا أنه جزم به في المحيط والبزازية والفيض وجامع الفتاوى وصاحب الدرر ثم نقل عبارة المصنف هنا ثم قال : فتحرر أن فيه اختلافا ولكن حيث صح أن ظاهر الرواية أنه لا يكافئها ، فهو المذهب خصوصا وقد نص في الينابيع أنه الأصح . ا هـ .

أقول : قد علمت أن ما صححه في الينابيع غير ما مشى عليه المصنف ، وأما ما ذكره من ظاهر الرواية فقد تبع فيه البحر ، وقول الشارح وادعى في البحر إلخ يفيد أن كونه ظاهر الرواية مجرد دعوى لا دليل عليها سوى قولهم في المتون وغيرها والعرب أكفاء أي فلا يكافئهم غيرهم ولا يخفى أن هذا وإن كان ظاهره الإطلاق ، ولكن قيده المشايخ بغير العالم وكم له من نظير فإن شأن مشايخ المذهب إفادة قيود وشرائط لعبارات مطلقة استنباطا من قواعد كلية أو مسائل فرعية أو أدلة نقلية وهنا كذلك ، فقد ذكر في آخر الفتاوى الخيرية في قرشي جاهل تقدم في المجلس على عالم أنه يحرم عليه إذا كتب العلماء طافحة بتقدم العالم على القرشي ، ولم يفرق سبحانه بين القرشي وغيره في قوله { هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } إلى آخر ما أطال به فراجعه فحيث كان شرف العلم [ ص: 93 ] أقوى من شرف النسب بدلالة الآية وتسريحهم بذلك اقتضى تقييد ما أطلقوه هنا اعتمادا على فهمه من محل آخر ، فلم يكن ما ذكره المشايخ مخالفا لظاهر الرواية ، وكيف يصح لأحد أن يقول إن مثل أبي حنيفة أو الحسن البصري وغيرهما ممن ليس بعربي أنه لا يكون كفؤا لبنت قرشي جاهل ، أو لبنت عربي بوال على عقبيه ، فلا جرم إنه جزم بما قاله المشايخ صاحب المحيط وغيره كما علمت وارتضاه المحقق ابن الهمام ، وصاحب النهر وتبعهم الشارح فافهم والله سبحانه أعلم .

( قوله ولذا قيل إلخ ) أي لكون شرف العلم أقوى قيل إن عائشة أفضل لكثرة علمها وظاهره أنه لا يقال إن فاطمة أفضل من جهة النسب لأن الكلام مسوق لبيان أن شرف العلم أقوى من شرف النسب لكن قد يقال بإخراج فاطمة رضي الله عنها من ذلك لتحقق البضعية فيها بلا واسطة ، ولذا قال الإمام مالك : إنها بضعة منه صلى الله عليه وسلم ولا أفضل على بضعة منه أحدا ولا يلزم من هذا إطلاق أنها أفضل ، وإلا لزم تفضيل سائر بناته صلى الله عليه وسلم على عائشة بل على الخلفاء الأربعة ، وهو خلاف الإجماع كما بسطه ابن حجر في الفتاوى الحديثة وحينئذ فما نقل عن أكثر العلماء من تفضيل عائشة محمول على بعض الجهات كالعلم ، وكونها في الجنة مع النبي صلى الله عليه وسلم وفاطمة مع علي رضي الله عنهما ولهذا قال في بدء الأمالي :

وللصديقة الرجحان فاعلم على الزهراء في بعض الخلال



وقيل إن فاطمة أفضل ويمكن إرجاعه إلى الأول وقيل بالتوقف لتعارض الأدلة واختاره الأسروشني من الحنفية وبعض الشافعية كما أوضحه منلا على القارئ في شرح الفقه الأكبر وشرح بدء الأمالي




الخدمات العلمية