الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وألفاظه صريح وكناية [ ص: 425 ] ( ف ) من الصريح ( لو قال : والله ) وكل ما ينعقد به اليمين ( لا أقربك ) لغير حائض ذكره سعدي لعدم إضافة المنع حينئذ إلى اليمين ( أو ) والله ( لا أقربك ) لا أجامعك لا أطؤك لا أغتسل منك من جنابة ( أربعة أشهر ) ولو [ ص: 426 ] لحائض لتعيين المدة ( أو إن قربتك فعلي حج ، أو نحوه ) مما يشق ، بخلاف فعلي صلاة ركعتين فليس بمول لعدم مشقتهما ، بخلاف فعلي مائة ركعة وقياسه أن يكون موليا بمائة ختمة ، أو اتباع مائة جنازة ولم أره ( أو فأنت طالق ، أو عبده حر ) ومن الكناية لا أمسك لا آتيك لا أغشاك لا أقرب فراشك لا أدخل عليك ، [ ص: 427 ] ومن المؤبد نحو حتى تخرج الدابة أو الدجال ، أو تطلع الشمس من مغربها ( فإن قربها في المدة ) ، ولو مجنونا ( حنث ) وحينئذ ( ففي الحلف بالله وجبت الكفارة ، وفي غيره وجب الجزاء وسقط الإيلاء ) لانتهاء اليمين ( وإلا ) يقربها ( بانت بواحدة ) بمضيها ، ولو ادعاه بعد مضيها لم يقبل قوله إلا ببينة ( وسقط الحلف لو ) كان ( مؤقتا ) ولو بمدتين إذ بمضي الثانية تبين بثانية وسقط الإيلاء ( لا لو كان مؤبدا ) وكانت طاهرة كما مر .

التالي السابق


( قوله : صريح وكناية ) وقيل ثلاثة : صريح وما يجري مجراه وكناية ، فالصريح لفظان الجماع والنيك ، أما القربان والمباضعة والوطء فهي كنايات تجري مجرى الصريح . قال في الفتح : والأولى جعل الكل من الصريح لأن الصراحة منوطة بتبادر المعنى لغلبة الاستعمال فيه سواء كان حقيقة ، أو مجازا لا بالحقيقة ، وإلا لوجب كون الصريح لفظ النيك فقط . وفي البدائع : الافتضاض في البكر يجري مجرى الصريح ا هـ وستأتي ألفاظ الكناية . [ ص: 425 ] وفي البحر : لو ادعى في الصريح أنه لم يعن الجماع لا يصدق قضاء ويصدق ديانة . الكناية : كل لفظ لا يسبق إلى الفهم معنى الوقاع منه ويحتمل غيره ، ولا يكون إيلاء بلا نية ويدين في القضاء ( قوله : فمن الصريح إلخ ) ذكر منه أربعة ألفاظ ، وأشار إلى أنه بقي غيرها ، فإن منه قوله للبكر لا أفتضك كما مر . وفي المنتفى : " لا أنام معك " إيلاء بلا نية ، وكذا لا يمس فرجي فرجك ، وهذا يخالف ما في البدائع من أن لا أبيت معك في فراش كناية ، وما في جوامع الفقه من أنه لو قال لا يمس جلدي جلدك لا يصير موليا لأنه يمكن أن يلف ذكره بشيء ، أفاده في الفتح . وظاهر ما في الجوامع أنه ليس صريحا ولا كناية .

قلت : والذي يظهر ما في المنتقى من أن اللفظين من الصريح ، لما علمت من أن الصراحة منوطة بتبادر المعنى والمتبادر من قولك : فلان نام مع زوجته هو الوطء ، نعم لا يتبادر ذلك من قولك : بات معها في فراش وتبقى المخالفة في مسألة المس ، وما ذكر من الإمكان لا ينافي التبادر ، وإلا لزم أن تكون المباضعة كذلك لأنها بمعنى وضع البضع على البضع أي الفرج ، فيمكن أن يقال : لا يلزم منه الجماع ، وكذا الافتضاض : أي إزالة البكارة يمكن بأصبع ونحوها تأمل ( قوله : لو قال والله إلخ ) قيد بالقسم لأنه لو قال : لا أقربك ولم يقل والله لا يكون موليا ذكره الإسبيجابي بحر : أي لأنه لا بد من لزوم ما يشق .

( قوله : وكل ما ينعقد به اليمين ) " كل " مبتدأ حذف خبره تقديره كذلك . قال في البحر : وأراد بقوله والله ما ينعقد به اليمين كقوله تالله ، وعظمة الله ، وجلاله وكبريائه ، فخرج ما لا ينعقد به كقوله وعلم الله لا أقربك ، وعليه غضب الله تعالى وسخطه إن قربتك . ا هـ . ( قوله : لا أقربك ) أي بلا بيان مدة ، أشار إلى أنه كالمؤقت بمدة الإيلاء لأن الإطلاق كالتأبيد ، ومثله لو جعل له غاية لا يرجى وجودها في مدة الإيلاء ، كقوله في رجب لا أقربك حتى أصوم المحرم ، وكقوله إلا في مكان كذا ، أو حتى تفطمي ولدك وبينهما أربعة أشهر فأكثر ، ولو أقل لم يكن موليا .

وكذا حتى تطلع الشمس من مغربها ، أو حتى تخرج الدابة أو الدجال استحسانا لأنه في العرف للتأبيد ، وكذا إن كان يرجى وجودها في مدته ، لكن لا يتصور بقاء النكاح معه كحتى تموتي ، أو أموت ، أو أطلقك ثلاثا ، أو حتى أملكك أو أملك شقصا منك وهي أمة ، وإن تصور بقاؤه كحتى أشتريك لا يكون موليا لأن مطلق الشراء لا يزيل النكاح لأنه قد يشتريها لغيره . ولو زاد لنفسي فكذلك لأنه قد يكون الشراء فاسدا لا يملك إلا بالقبض . حتى لو قال لنفسي وأقبضك كان موليا فيصير تقديره لا أقربك ما دمت في نكاحي ، ولو قال حتى أعتق عبدي ، أو أطلق زوجتي فهو إيلاء عندهما خلافا لأبي يوسف . ولا خلاف في عدمه في حتى أدخل الدار ، أو أكلم زيدا كما في النهر وغيره ( قوله : لغير حائض إلخ ) في غاية البيان معزيا للشامل : حلف لا يقربها وهي حائض لم يكن موليا لأن الزوج ممنوع عن الوطء بالحيض فلا يصير المنع مضافا لليمين ا هـ وبهذا علم أن الصريح وإن كان لا يحتاج إلى النية لا يقع به لوجود صارف كذا في البحر ، وقيده الشرنبلالي بحثا بما ذكره إذا كان عالما بحيضها . وفصل سعدي في حواشي العناية بحمل ما في الشامل على ما إذا قال : لا أقربك ولم يقيد بمدة أما لو قال أربعة أشهر فإنه يكون موليا ولو كانت حائضا ، وهذا معنى قول الشارح هنا لغير حائض ، وقوله : بعده في المقيد ولو لحائض . وأوضحه في النهر بأنه إذا قيده بأربعة أشهر يكون قرينة على إضافة المنع إلى اليمين . ا هـ . أقول : هذا كله مبني على أن قول الشامل وهي حائض ليس من كلام الزوج ، لكن ذكر المقدسي أنه حال من مفعول يقربها لا من فاعل حلف أي فهو من كلام الزوج .

[ ص: 426 ] قلت : وربما أفاده ما في كافي الحاكم حيث قال : وإن حلف لا يقربها وهي حائض لم يكن موليا وإن حلف لا يقربها حتى تفعل شيئا تقدر على فعله قبل مضي أربعة أشهر لم يكن موليا وإن تأخر ذلك أربعة أشهر لم يضره ا هـ فقوله : حتى تفعل من كلام الزوج قطعا ، فكذا قوله : وهي حائض ، وقد أفاد علته بما ذكره بعد ، وهي أن مدة الحيض يمكن مضيها قبل أربعة أشهر فلا يصير موليا وإن زادت عليها ، ويؤيده تعليل الولوالجي بقوله لأنه منع نفسه عن قربانها في مدة الحيض وأنه أقل من أربعة أشهر . ا هـ .

ولو كانت العلة ما مر من كون الزوج ممنوعا عن الوطء بالحيض إلخ لكان الواجب ذكر ذلك في شروط صحة الإيلاء ، بأن يقال : يشترط في صحته أن لا يكون الزوج ممنوعا عن وطئها وقت الإيلاء . ويرد عليه أنه يشمل ما إذا كانت محرمة ، أو معتكفة ، أو صائمة أو مصلية مع أنه سيأتي أنه يصح الإيلاء وهي محرمة وإن كان بينها وبين الحرم أكثر من أربعة أشهر ولا يكون فيؤه باللسان بل بالجماع ، لأن الإحرام مانع شرعي وهو لا يسقط حقها في الجماع ، فقد صح الإيلاء مع علمه بأنه ممنوع عن قربانها شرعا في مدة أربعة أشهر ففي حالة الحيض يصح بالأولى ، فما كان الجواب عن حالة الإحرام فهو الجواب عن حالة الحيض ، فاغتنم تحرير هذا المقام والسلام .

( قوله : لتعيين المدة ) أي لأن ذكر المدة قرينة على أن المنع لليمين لا للحيض ، بخلاف ما إذا لم يذكرها كما مر ( قوله : أو نحوه مما يشق ) كقوله فعلي عمرة ، أو صدقة ، أو صيام ، أو هدي أو اعتكاف ، أو يمين ، أو كفارة يمين ، أو فأنت طالق أو هذه الزوجة أخرى ، أو فعبدي حر ، أو فعلي عتق عبد منهم أو فعلي صوم يوم بخلاف صوم هذا الشهر لأنه يمكنه قربانها بعد مضيه بلا شيء يلزمه ، ولو قال فعلي اتباع جنازة ، أو سجدة تلاوة ، أو قراءة القرآن ، أو تسبيحة أو صلاة في بيت المقدس لم يكن موليا . وفي الذخيرة خلاف محمد لأنها تلزم بالنذر كذا في الفتح ، وأشار في الفتح إلى الجواب عن قول محمد بأن المدار على لزوم ما يشق لا على صحة النذر وإلا لزم أن يكون موليا بالتعليق على صلاة ركعتين . والمذهب أنه يسقط النذر بصلاتها في غير بيت المقدس .

( قوله : لعدم مشقتهما ) أي وإن لزماه بالحنث لصحة النذر بهما ، وأشار إلى أنه لا تعتبر المشقة العارضة بنحو كسل كما لا تعتبر العارضة بالجبن في نحو فعلي غزو كما مر ( قوله : وقياسه إلخ ) هذا البحث لصاحب النهر ، وهو في غير محله لما تقدم من أن المولي هو الذي لا يمكنه قربان زوجته إلا بشيء مشق يلزمه فلا بد من كونه لازما وكونه مشقا ولا يصح النذر بقراءة القرآن وصلاة الجنازة وتكفين الموتى كما في أيمان القهستاني ، فإذا لم يصح نذره أمكنه قربانها بلا شيء يلزمه أصلا ، كما لو قال : إن قربتك فعلي ألف وضوء فلا يكون موليا فافهم ( قوله : أو فأنت طالق ، أو عبده حر ) كان ينبغي ذكره قبل قوله ، أو نحوه فإن قربها تطلق رجعية ويعتق العبد وظاهره وإن لم يكن ممن يشق عليه لأنه في الأصل مشق كما أفاده ط وقدمنا أنه لو باع العبد سقط الإيلاء ولو عاد إلى ملكه عاد ، ولو قال فعلي ذبح ولدي يصح ، ويلزمه بالحنث ذبح شاة كما في البدائع .

( قوله : ومن الكناية إلخ ) ومنها لا أجمع رأسي ورأسك لا ألمسك ، لا أضاجعك ، لأغيظنك ، لأسوأنك فتح ، والأخيران باللام الجوابية . وذكر أيضا أنه عد منها في البدائع الدنو وكذا [ ص: 427 ] لا أبيت معك ، وتقدم الكلام على الأخير ( قوله : ومن المؤبد إلخ ) لأنه يذكر في العرف للتأبيد . ولأن له أمارات سابقة تدل على أنه لا يقع في مدة أربعة أشهر ، وكان المناسب ذكر هذه الجملة عند قول المصنف الآتي لا لو كان مؤبدا كما فعل في الفتح ( قوله : فإن قربها في المدة إلخ ) إنما ذكره وإن أغنى عنه قوله : سابقا وحكمه إلخ ليرتب عليه ما بعده ط ( قوله : ولو مجنونا ) لأن الأهلية تعتبر وقت الحلف لا وقت الحنث ( قوله : وجبت الكفارة ) ولو كفر قبل الحنث لا تعتبر بحر ( قوله : وجب الجزاء ) سيأتي في الأيمان أن في مثله يخير بين الوفاء بما التزمه من النذر ، أو كفارة اليمين رحمتي أي على الصحيح الذي رجع إليه الإمام شرنبلالية .

وهذا إن بقي الإيلاء ، فلو سقط بموت العبد المحلوف بعتقه فلا يجب شيء كما علمت ( قوله : وسقط الإيلاء ) عطف على " حنث " ، فلو مضت أربعة أشهر لا يقع طلاق لانحلال اليمين بالحنث ، سواء حلف على أربعة أشهر ، أو أطلق أو على الأبد بحر ( قوله : بانت بواحدة ) أي بطلقة واحدة ، وقوله : بمضيها : أي بسبب مضي المدة وأشار إلى أنه لا حاجة إلى إنشاء تطليق ، أو الحكم بالتفريق خلافا للشافعي كما أفاده في الهداية ( قوله : ولو ادعاه ) أي القربان في المدة ( قوله : لم يقبل قوله : إلا ببينة ) أي على إقراره في المدة أنه جامعها بحر لأنه في المدة يملك الإنشاء فيملك الإخبار فصح إشهاده عليه . وتقدم في الرجعة نظيره وأنه من أعجب المسائل ( قوله : ولو بمدتين إلخ ) بأن حلف على ثمانية أشهر كما في الدر المنتقى تبعا للقهستاني وهو مخالف لما في الكنز وغيره من قوله : وسقط الإيلاء لو حلف على أربعة أشهر فإنه يقتضي أنه لو حلف على مدتين ، أو أكثر لا يسقط ، وهو معنى قوله إذ بمضي الثانية تبين بثانية ، لكن مراد الشارح أنه يسقط بعد مضي المدتين ( قوله : تبين بثانية ) يعني إذا تزوجها ثانيا وإلا فهو على غير الأصح الآتي في المؤبد إذ لا فرق يظهر بينهما ثم رأيت القهستاني قال في الثانية : أي في مسألة المدتين إذا بانت ثم تزوجها ثانيا ثم مضت أربعة أشهر أخرى بانت بواحدة أخرى وسقط الإيلاء . ا هـ . وفي الولوالجية : والله لا أقربك سنة فمضى أربعة أشهر فبانت ثم تزوجها ومضى أربعة أشهر أخرى بانت أيضا فإن تزوجها ثالثا لا يقع لأنه بقي من السنة بعد التزوج أقل من أربعة أشهر ( قوله : لا لو كان مؤبدا ) أي لا يسقط الحلف : أي الإيلاء لو كان مؤبدا ، قال في الفتح : هو أن يصرح بلفظ الأبد ، أو يطلق فيقول : لا أقربك ، إلا أن تكون حائضا فليس بمول أصلا . ا هـ . ( قوله : وكانت طاهرة ) هو معنى قول الفتح إلا أن تكون حائضا وقد علمت ما فيه مما مر .




الخدمات العلمية