الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( أو ) حلف لا يكلمه ( إلا بإذنه فأذن له ولم يعلم ) بالإذن فكلمه ( حنث ) لاشتقاق الإذن من الأذان فيشترط العلم بخلاف لا يكلمه إلا برضاه فرضي ولم يعلم لأن الرضا من أعمال القلب فيتم به ( الكلام ) والتحديث ( لا يكون إلا باللسان ) فلا يحنث بإشارة وكتابة كما في النتف . وفي الخانية : لا أقول له كذا فكتب إليه حنث ففرق بين القول والكلام ، لكن نقل المصنف بعد مسألة شم الريحان عن الجامع أنه كالكلام خلافا لابن سماعة ( والإخبار والإقرار والبشارة تكون بالكتابة لا بالإشارة والإيماء ، والإظهار والإنشاء والإعلام يكون ) بالكتابة و ( بالإشارة أيضا ) ولو قال لم أنو الإشارة دين ، وفي لا يدعوه أو لا يبشره يحنث بالكتابة ( إن أخبرتني ) أو أعلمتني ( أن فلانا قدم ونحوه يحنث بالصدق والكذب ولو قال بقدومه ونحوه ففي الصدق محاصة ) [ ص: 793 ] لإفادتها إلصاق الخبر بنفس القدوم كما حققناه في بحث الباء من الأصول ، وكذا إن كتبت بقدوم فلان كما سيجيء في الباب الآتي .

وسأل الرشيد محمدا عمن حلف لا يكتب إلى فلان فأومأ بالكتابة هل يحنث ؟ فقال : نعم يا أمير المؤمنين ، إن كان مثلك .

التالي السابق


( قوله أو حلف إلخ ) عطف على قول المصنف حلف لا يكلمه وقوله حنث جواب المسألتين ( قوله لاشتقاق الإذن ) أي اشتقاقا كبيرا كما في النهر من الأذان وهو الإعلام ح .

قلت : وفيه نظر يعلم مما قدمناه في الوضوء ( قوله فيشترط العلم ) ظاهره أنه لا يكتفى بمجرد السماع بل لا بد معه من العلم بمعناه احترازا عما لو خاطبه بلغة لا يفهمها كما قدمنا نظيره في حلفه لا تخرجي إلا بإذني ( قوله فرضي ) أي بأن أخبره بعد الكلام بأنه كان رضي ( قوله فلا يحنث بإشارة وكتابة ) وكذا بإرسال رسول ، لأنه لا يسمى كلاما عرفا خلافا لمالك وأحمد رحمهما الله تعالى استدلالا بقوله تعالى - { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا } - إلى قوله - { أو يرسل رسولا } - أجيب عنه بأن مبنى الأيمان على العرف فتح ( قوله عن الجامع ) حيث قال إذا حلف لا يكلم فلانا أو قال والله لا أقول لفلان شيئا فكتب له كتابا لا يحنث ، وذكر ابن سماعة في نوادره أنه يحنث ا هـ فقوله خلافا لابن سماعة أي فيهما فتحصل أن الأقوال ثلاثة : الحنث مطلقا ، وعدمه مطلقا ، وتفصيل قاضي خان ط ( قوله تكون بالكتابة ) أي كما تكون باللسان ولم ينبه عليه لظهوره فافهم ( قوله والإيماء ) بالجر عطف على الإشارة ، وكأنه أراد الإشارة باليد والإيماء بالرأس ، لأن الأصل في العطف المغايرة ( قوله والإظهار إلخ ) بالرفع مبتدأ .

( قوله والإنشاء ) كذا في النسخ ، والذي في الفتح والبحر والمنح : الإفشاء بالفاء أي لو حلف لا يفشي سر فلان أو لا يظهره أو لا يعلم به يحنث بالكتابة وبالإشارة ( قوله ولو قال إلخ ) قال في البحر : فإن نوى في ذلك كله أي في الإظهار والإفشاء والإعلام والإخبار كونه بالكتابة دون الإشارة دين فيما بينه وبين الله تعالى ا هـ وهكذا في الفتح ، ونحوه في البزازية ولم يذكر في النهر الإخبار ، وهو الظاهر لما مر أن الإخبار لا يكون بالإشارة فما معنى أنه يدين في أنه لم ينو به الإشارة ، ومفهوم قوله : دين إلخ أنه لا يصدق قضاء كما عزاه في التتارخانية إلى عامة المشايخ ، وفيها وكل ما ذكرنا أنه يحنث بالإشارة إذا قال أشرت وأنا لا أريد الذي حلفت عليه ، فإن كان جوابا لشيء سئل عنه لم يصدق في القضاء ويدين ( قوله أو لا يبشره ) تكرار مع قول المتن والبشارة تكون بالكتابة . ا هـ . ح ولعله أو لا يسره من الإسرار ( قوله إن أخبرتني أو أعلمتني إلخ ) وكذا البشارة كما في الفتح والبحر ، وهو مخالف لما سيذكره في الباب الآتي عن البدائع من أن الإعلام كالبشارة لا بد فيهما من الصدق ولو بلا باء ، ويؤيده ما في [ ص: 793 ] تلخيص الجامع الكبير لو قال : إن أخبرتني أن زيدا قدم فكذا حنث بالكذب كذا إن كتبت إلي وإن لم يصل وفي بشرتني أو أعلمتني يشترط الصدق وجهل الحالف لأن الركن في الأوليين الدال على المخبر وجمع الحروف ، وفي الأخريين إفادة البشر والعلم بخلاف ما إذا قال بقدومه لأن باء الإلصاق تقتضي الوجود وهو بالصدق ويحنث بالإيماء في أعلمتني وبالكتاب والرسول في الكل . ا هـ . ( قوله لإفادتها ) أي الباء إلصاق الخبر بنفس القدوم أي فصار كأنه قال إن أخبرتني خبرا ملصقا بقدوم زيد فاقتضى وجود القدوم لا محالة قال ط وفيه أن الباء في إن أخبرتني أن فلانا قدم مقدرة ومقتضاه قصره على الصدق ا هـ .

قلت : قد يجاب بأنها لم تدخل على المصدر الصريح وفرقا بين الصريح والمؤول على أن تقديرها لضرورة التعدية فلا تفيد ما تفيده ملفوظة فتأمل .

( قوله وكذا إن كتبت بقدوم فلان ) أي أنه مثله في اقتصاره على الصدق ، بخلاف إن كتبت إلي أن فلانا قدم فعبدي حر يحنث بالخبر الكاذب ، حتى لو كتب إليه قبل القدوم أن زيدا قدم حنث وإن لم يصل الكتاب إلى الحالف كذا في شرح التلخيص ، ومفاده الحنث بمجرد الكتابة ، ومفاد الفتح والبحر اشتراط الوصول ويدل للأول تعليل التلخيص المار بأن الركن في الكتابة جمع الحروف أي تأليفها بالقلم وقد وجد ( قوله فقال نعم إلخ ) قال السرخسي هذا صحيح لأن السلطان لا يكتب بنفسه وإنما يأمر به ، ومن عادتهم الأمر بالإيماء والإشارة فتح .




الخدمات العلمية