فلما أصبح غدا بالرأس إلى ابن زياد .
وقيل : بل الذي حمل الرءوس كان شمر وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج وعروة بن قيس فجلس ابن زياد وأذن للناس فأحضرت الرءوس بين يديه وهو ينكت بقضيب بين ثنيته ساعة ، فلما رآه لا يرفع قضيبه قال : أعل هذا القضيب عن هاتين الثنيتين ، فوالذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هاتين الشفتين يقبلهما ! ثم بكى ، فقال له زيد بن الأرقم ابن زياد : أبكى الله عينيك ! فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك .
فخرج وهو يقول : أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة ، وأمرتم ابن مرجانة ، فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم ، فرضيتم بالذل ، فبعدا لمن يرضى بالذل !
فأقام عمر بعد قتله يومين ثم ارتحل إلى الكوفة وحمل معه بنات الحسين وأخواته ومن كان معه من الصبيان ، وعلي بن الحسين مريض ، فاجتازوا بهم على الحسين وأصحابه صرعى ، فصاح النساء ولطمن خدودهن ، وصاحت زينب أخته : يا محمداه صلى عليك ملائكة السماء ! هذا الحسين بالعراء ، مرمل بالدماء ، مقطع [ ص: 186 ] الأعضاء ، وبناتك سبايا ، وذريتك مقتلة تسفي عليها الصبا ! فأبكت كل عدو وصديق .
فلما أدخلوهم على ابن زياد لبست زينب أرذل ثيابها وتنكرت وحفت بها إماؤها ، فقال عبيد الله : من هذه الجالسة ؟ فلم تكلمه ، فقال ذلك ثلاثا وهي لا تكلمه ، فقال بعض إمائها : هذه زينب بنت فاطمة .
فقال لها ابن زياد : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم ! فقالت : الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرا ، لا كما تقول ، وإنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر .
فقال : فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك ؟ قالت : كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتختصمون عنده .
فغضب ابن زياد وقال : قد شفى الله غيظي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك .
فبكت وقالت : لعمري لقد قتلت كهلي ، وأبرزت أهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فإن يشفك هذا فقد اشتفيت .
فقال لها : هذه شجاعة ، لعمري لقد كان أبوك شجاعا ! فقالت : ما للمرأة والشجاعة !
ولما نظر ابن زياد إلى علي بن الحسين قال : ما اسمك ؟ قال : علي بن الحسين .
قال : أولم يقتل الله علي بن الحسين ؟ فسكت .
فقال : ما لك لا تتكلم ؟ فقال : كان لي أخ يقال له أيضا علي فقتله الناس .
فقال : إن الله قتله .
فسكت علي .
فقال : ما لك لا تتكلم ؟ فقال : الله يتوفى الأنفس حين موتها ، وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله . قال : أنت والله منهم .
ثم قال لرجل : ويحك ! انظر هذا هل أدرك ؟ إني لأحسبه رجلا .
قال فكشف عنه مري بن معاذ الأحمري فقال : نعم قد أدرك .
قال : اقتله .
فقال علي : من توكل بهذه النسوة ؟ وتعلقت به زينب فقالت : يا ابن زياد حسبك منا ، أما رويت من دمائنا ، وهل أبقيت منا أحدا ! واعتنقته وقالت : أسألك بالله إن كنت مؤمنا إن قتلته لما قتلتني معه ! وقال له علي : يا ابن زياد إن كانت بينك وبينهن قرابة فابعث معهن رجلا تقيا يصحبهن بصحبة الإسلام .
فنظر إليها ساعة ثم قال : عجبا للرحم ! والله إني لأظنها ودت لو أني قتلته أني قتلتها معه ، دعوا الغلام ينطلق مع نسائه .
ثم نادى : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، فصعد المنبر فخطبهم وقال : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه ، وقتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي وشيعته .
[ ص: 187 ] فوثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ثم الوالبي ، وكان ضريرا قد ذهبت إحدى عينيه يوم الجمل مع علي والأخرى بصفين معه أيضا ، وكان لا يفارق المسجد يصلي فيه إلى الليل ثم ينصرف ، فلما سمع مقالة ابن زياد قال : يا ابن مرجانة ! إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه ! يا ابن مرجانة أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بكلام الصديقين ؟ فقال : علي به .
فأخذوه ، فنادى بشعار الأزد : يا مبرور ! فوثب إليه فتية من الأزد فانتزعوه ، فأرسل إليه من أتاه به فقتله وأمر بصلبه في المسجد ، فصلب ، رحمه الله .
وأمر ابن زياد برأس الحسين فطيف به في الكوفة ، وكان على خشبة في قول ، والصحيح أن أول رأس حمل في الإسلام رأس رأسه أول رأس حمل في الإسلام عمرو بن الحمق .
ثم أرسل ابن زياد رأس الحسين ورءوس أصحابه مع زحر بن قيس إلى الشام إلى يزيد ومعه جماعة ، وقيل : مع شمر وجماعة معه ، وأرسل معه النساء والصبيان ، وفيهم علي بن الحسين ، قد جعل ابن زياد الغل في يديه ورقبته ، وحملهم على الأقتاب ، فلم يكلمهم علي بن الحسين في الطريق حتى بلغوا الشام ، فدخل زحر بن قيس على يزيد ، فقال : ما وراءك ؟ فقال : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله وبنصره ، ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته ، وستين من شيعته ، فسرنا إليهم فسألناهم أن ينزلوا على حكم الأمير عبيد الله أو القتال فاختاروا القتال فعدونا عليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كل ناحية حتى إذا أخذت السيوف مآخذها من هام القوم جعلوا يهربون إلى غير وزر ، ويلوذون بالإكام والحفر ، كما لاذ الحمائم من صقر ، فوالله ما كان إلا جزر جزور ، أو نومة قائل ، حتى أتينا على آخرهم ! فهاتيك أجسادهم مجردة ، وثيابهم مرملة ، وخدودهم معفرة ، تصهرهم الشمس ، وتسفي عليهم الريح ، زوارهم العقبان والرخم بقي سبسب .
قال : فدمعت عينا يزيد وقال : كنت أرضى من طاغيتكم بدون قتل الحسين ، لعن الله ابن سمية ! أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه ، فرحم الله الحسين ! ولم يصله بشيء .
[ ص: 188 ] وقيل : إن آل الحسين لما وصلوا إلى الكوفة حبسهم ابن زياد وأرسل إلى يزيد بالخبر ، فبينما هم في الحبس إذ سقط عليهم حجر فيه كتاب مربوط وفيه : إن البريد سار بأمركم إلى يزيد فيصل يوم كذا ويعود يوم كذا ، فإن سمعتم التكبير فأيقنوا بالقتل ، وإن لم تسمعوا تكبيرا فهو الأمان .
فلما كان قبل قدوم البريد بيومين أو ثلاثة إذا حجر قد ألقي وفيه كتاب يقول فيه : أوصوا واعهدوا فقد قارب وصول البريد .
ثم جاء البريد بأمر يزيد بإرسالهم إليه ، فدعا ابن زياد محفر بن ثعلبة وشمر بن ذي الجوشن وسيرهما بالثقل والرأس ، فلما وصلوا إلى دمشق نادى محفر بن ثعلبة على باب يزيد : جئنا برأس أحمق الناس وألأمهم ! فقال يزيد : ما ولدت أم محفر ألأم وأحمق منه ، ولكنه قاطع ظالم .
ثم دخلوا على يزيد فوضعوا الرأس بين يديه وحدثوه ، فسمعت الحديث هند بنت عبد الله بن كريز ، وكانت تحت يزيد ، فتقنعت بثوبها وخرجت فقالت : يا أمير المؤمنين أرأس الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، فأعولي عليه ، وحدي على ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصريحة قريش ، عجل عليه ابن زياد فقتله ، قتله الله ! ثم أذن للناس فدخلوا عليه والرأس بين يديه ومعه قضيب وهو ينكت به ثغره ، ثم قال : إن هذا وإيانا كما قال الحصين بن الحمام :
أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت قواضب في أيماننا تقطر الدما يفلقن هاما من رجال أعزة
علينا وهم كانوا أعق وأظلما
فقال له : أتنكت بقضيبك في ثغر أبو برزة الأسلمي الحسين ؟ أما لقد أخذ قضيبك في ثغره مأخذا ، لربما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرشفه ، أما إنك يا يزيد تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك ، ويجيء هذا ومحمد شفيعه : ثم قام فولى .
[ ص: 189 ] فقال يزيد : والله يا حسين لو كنت أنا صاحبك ما قتلتك . ثم قال : أتدرون من أين أتى هذا ؟ قال : أبي علي خير من أبيه ، وفاطمة أمي خير من أمه ، وجدي رسول الله خير من جده ، وأنا خير منه وأحق بهذا الأمر منه ، فأما قوله أبوه خير من أبي فقد حاج أبي أباه إلى الله وعلم الناس أيهما حكم له ، وأما قوله أمي خير من أمه فلعمري الله خير من أمي ، وأما قوله جدي رسول الله خير من جده فلعمري ما أحد يؤمن بالله واليوم الآخر يرى لرسول الله فينا عدلا ولا ندا ، ولكنه إنما أتي من قبل فقهه ، ولم يقرأ : فاطمة بنت رسول قل اللهم مالك الملك .
ثم أدخل نساء الحسين عليه والرأس بين يديه ، فجعلت فاطمة تتطاولان لتنظرا إلى الرأس ، وجعل وسكينة ابنتا الحسين يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس .
فلما رأين الرأس صحن ، فصاح نساء يزيد وولول بنات معاوية .
فقالت فاطمة بنت الحسين ، وكانت أكبر من سكينة : أبنات رسول الله سبايا يا يزيد ؟ فقال : يا ابنة أخي أنا لهذا كنت أكره .
قالت : والله ما ترك لنا خرص .
فقال : ما أتى إليكن أعظم مما أخذ منكن .
فقام رجل من أهل الشام فقال : هب لي هذه ، يعني فاطمة ، فأخذت بثياب أختها زينب ، وكانت أكبر منها ، فقالت زينب : كذبت ولؤمت ، ما ذلك لك ولا له .
فغضب يزيد وقال : كذبت والله ، إن ذلك لي ولو شئت أن أفعله لفعلته .
قالت كلا والله ، ما جعل الله لك ذلك إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا .
فغضب يزيد واستطار ، ثم قال : إياي تستقبلين بهذا ؟ إنما خرج من الدين أبوك وأخوك !
قالت زينب : بدين الله ودين أبي وأخي وجدي اهتديت أنت وأبوك وجدك .
قال : كذبت يا عدوة الله ! قالت : أنت أمير تشتم ظالما وتقهر بسلطانك ؟ فاستحى وسكت ، ثم أخرجهن وأدخلهن دور يزيد ، فلم تبق امرأة من آل يزيد إلا أتتهن وأقمن المأتم ، وسألهن عما أخذ منهن فأضعفه لهن ، فكانت سكينة تقول : ما رأيت كافرا بالله خيرا من . يزيد بن معاوية
ثم أمر بعلي بن الحسين فأدخل مغلولا فقال : لو رآنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مغلولين لفك عنا .
قال : صدقت .
وأمر بفك غله عنه .
فقال علي : لو رآنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعداء لأحب أن يقربنا .
فأمر به فقرب منه ، وقال له يزيد : إيه يا علي بن الحسين ، أبوك الذي قطع رحمي ، وجهل حقي ، ونازعني سلطاني ، فصنع الله به ما رأيت .
فقال علي :
[ ص: 190 ] ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور . فقال يزيد : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم . ثم سكت عنه وأمر بإنزاله وإنزال نسائه في دار علي جده ، وكان يزيد لا يتغدى ولا يتعشى إلا دعا عليا إليه ، فدعاه ذات يوم ومعه عمرو بن الحسن ، وهو غلام صغير ، فقال لعمرو : أتقاتل هذا ؟ يعني خالد بن يزيد .
فقال عمرو : أعطني سكينا وأعطه سكينا حتى أقاتله .
فضمه يزيد إليه وقال : شنشنة أعرفها من أخزم ، هل تلد الحية إلا حية !
وقيل : ولما وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده وزاده ووصله وسره ما فعل ، ثم لم يلبث إلا يسيرا ( حتى بلغه بغض الناس له ولعنهم وسبهم ) ، فندم على قتل الحسين ، فكان يقول : وما علي لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي في داري وحكمته فيما يريد ، وإن كان علي في ذلك وهن في سلطاني حفظا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورعاية لحقه وقرابته ، لعن الله ابن مرجانة فإنه اضطره ، وقد سأله أن يضع يده في يدي أو يلحق بثغر حتى يتوفاه الله ، فلم يجبه إلى ذلك فقتله ، فبغضني بقتله إلى المسلمين ، وزرع في قلوبهم العداوة ، فأبغضني البر والفاجر بما استعظموه من قتلي الحسين ، ما لي ولابن مرجانة ، لعنه الله وغضب عليه !
ولما أراد أن يسيرهم إلى المدينة أمر يزيد النعمان بن بشير أن يجهزهم بما يصلحهم ويسير معهم رجلا أمينا من أهل الشام ومعه خيل يسير بهم إلى المدينة ، ودعا عليا ليودعه وقال له : لعن الله ابن مرجانة ! أما والله لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبدا إلا أعطيته إياها ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي ، ولكن قضى الله ما رأيت .
يا بني كاتبني حاجة تكون لك .
وأوصى بهم هذا الرسول ، فخرج بهم فكان يسايرهم ليلا فيكونون أمامه بحيث لا يفوتون طرفه ، فإذا نزلوا تنحى عنهم هو وأصحابه ، فكانوا حولهم كهيئة الحرس ، وكان يسألهم عن حاجتهم ويلطف بهم حتى دخلوا المدينة .
فقالت فاطمة بنت علي لأختها زينب : لقد أحسن هذا الرجل [ ص: 191 ] إلينا فهل لك أن نصله بشيء ؟ فقالت : والله ما معنا ما نصله به إلا حلينا ، فأخرجتا سوارين ودملجين لهما فبعثتا بها إليه واعتذرتا ، فرد الجميع وقال : لو كان الذي صنعت للدنيا لكان في هذا ما يرضيني ، ولكن والله ما فعلته إلا لله ولقرابتكم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وكان مع الحسين امرأته الرباب بنت امرئ القيس ، وهي أم ابنته سكينة ، وحملت إلى الشام فيمن حمل من أهله ، ثم عادت إلى المدينة ، فخطبها الأشراف من قريش ، فقالت : ما كنت لأتخذ حموا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبقيت بعده سنة لم يظلها سقف بيت حتى بليت وماتت كمدا ، وقيل : إنها أقامت على قبره سنة وعادت إلى المدينة فماتت أسفا عليه .
فأرسل مبشرا إلى عبيد الله بن زياد المدينة بقتل الحسين إلى ، فلقيه رجل من عمرو بن سعيد قريش فقال : ما الخبر ؟ فقال : الخبر عند الأمير .
فقال القرشي إنا لله وإنا إليه راجعون ، قتل الحسين .
ودخل البشير على فقال : ما وراءك ؟ قال : ما سر الأمير ، قتل عمرو بن سعيد الحسين بن علي .
فقال : ناد بقتله ، فنادى ، فصاح نساء بني هاشم وخرجت ابنة ومعها نساؤها حاسرة تلوي ثوبها وهي تقول : عقيل بن أبي طالب
ماذا تقولون إن قال النبي لكم ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي
فلما سمع عمرو أصواتهن ضحك وقال :
عجت نساء بني زياد عجة كعجيج نسوتنا غداة الأرنب
[ ص: 192 ] والأرنب وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب ، وهذا البيت لعمرو بن معدي كرب .
ثم قال عمرو : واعية كواعية عثمان ، ثم صعد المنبر فأعلم الناس قتله .
ولما بلغ عبد الله بن جعفر قتل ابنيه مع الحسين دخل عليه بعض مواليه يعزيه والناس يعزونه ، فقال مولاه : هذا ما لقيناه من الحسين ! فحذفه ابن جعفر بنعله وقال : يا ابن اللخناء ، الحسين ، تقول هذا ؟ والله لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه ، والله إنه لمما يسخي بنفسي عنهما ، ويهون علي المصاب بهما أنهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه .
ثم قال : إن لم تكن آست الحسين يدي فقد آساه ولدي .
ولما وفد أهل الكوفة بالرأس إلى الشام ودخلوا مسجد دمشق أتاهم فسألهم : كيف صنعوا ؟ فأخبروه ، فقام عنهم ثم أتاهم أخوه مروان بن الحكم يحيى بن الحكم فسألهم فأعادوا عليه الكلام ، فقال : حجبتم عن محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة ، لن أجامعكم على أمر أبدا ! ثم انصرف عنهم .
فلما دخلوا على يزيد قال يحيى بن الحكم :
لهام بجنب الطف أدنى قرابة من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل
سمية أمسى نسلها عدد الحصى وليس لآل المصطفى اليوم من نسل
قيل : وسمع بعض أهل المدينة ليلة قتل الحسين مناديا ينادي :
أيها القاتلون جهلا حسينا أبشروا بالعذاب والتنكيل
كل أهل السماء يدعو عليكم من نبي وملأك وقبيل
[ ص: 193 ]
قد لعنتم على لسان ابن داود وموسى وصاحب الإنجيل
ومكث الناس شهرين أو ثلاثة كأنما تلطخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتى ترتفع .
قال رأس جالوت ذلك الزمان : ما مررت بكربلاء إلا وأنا أركض دابتي حتى أخلف المكان ، لأنا كنا نتحدث أن ولد نبي يقتل بذلك المكان ، فكنت أخاف ، فلما قتل الحسين أمنت فكنت أسير ولا أركض .
قيل وكان عمر الحسين يوم قتل خمسا وخمسين سنة ، وقيل : قتل وهو ابن إحدى وستين ، وليس بشيء .
وكان قتله يوم عاشوراء سنة إحدى وستين .
( برير بن خضير بضم الباء الموحدة ، وفتح الراء المهملة ، وسكون الياء المثناة من تحتها ، وآخره راء . وخضير بالخاء والضاد المعجمتين . ثبيت بضم الثاء المثلثة ، وفتح الباء الموحدة ، وسكون الياء المثناة من تحتها ، وآخره تاء مثناة من فوقها . ومحفر بضم الميم ، وفتح الحاء المهملة ، وتشديد الفاء المكسورة ، وآخره راء ) .
( [ وقال ] . . . التيمي تيم مرة يرثي الحسين وأهله وكان منقطعا إلى بني [ هاشم ] :
مررت على أبيات آل محمد فلم أرها أمثالها يوم حلت
فلا يبعد الله الديار وأهلها وإن أصبحت من أهلها قد تخلت
وإن قتيل الطف من آل هاشم أذل رقاب المسلمين فذلت
[ ص: 194 ]
وكانوا رجاء ثم أضحوا رزية لقد عظمت تلك الرزايا وجلت
وعند غني قطرة من دمائنا سنجزيهم يوما بها حيث حلت
إذا افتقرت قيس جبرنا فقيرها تقتلنا قيس إذا النعل زلت