الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر أن أخذ الأجرة على القسمة جائز ، وإن لم يجز أخذها عن الحكم فالكلام عنها يشتمل على فصلين :

                                                                                                                                            أحدهما : عدد القسام .

                                                                                                                                            والثاني : حكم الأجرة .

                                                                                                                                            فأما عدد القسام فللقسمة حالتان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يتراضى بها المقتسمون .

                                                                                                                                            والثانية : أن يأمر بها الحكام .

                                                                                                                                            [ ص: 247 ] فإن تراضوا بها حملوا في العدد على ما اتفقوا عليه من واحد أو اثنين كما حملوا فيه على اختيارهم للقاسم ، وإن لم يكن مختارا ولا يقبل الحاكم قول هذا القاسم : لأنه ليس بتائب عنه ولا يسمع شهادته : لأنه شاهد على فعله .

                                                                                                                                            وإن أمر الحاكم بالقسمة وخرجت عن حكم الاختيار ففي القسمة تعديل وحكم ، والتعديل معتبر باثنين كالتقويم ، ولا يعول في التقويم إلا على قول مقومين ، والحكم فيه قول واحد كالحاكم .

                                                                                                                                            فينظر في القسمة : فإن كان فيها تعديل وتقويم لم يجزئ فيها أقل من قاسمين .

                                                                                                                                            وإن لم يكن فيها تعديل ولا تقويم فقد قال الشافعي في موضع أمر الحاكم : الشركاء إن يجتمعوا على قاسمين ، فظاهر هذا أنه لا يجزئ قاسم واحد .

                                                                                                                                            وقال في غيره إن القاسم حاكم فظاهره أنه يجزئ قاسم واحد .

                                                                                                                                            واختلف أصحابنا كما اختلفوا في الخرص فخرجه أكثرهم على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يجزئ قاسم واحد ، كما يجزئ كيال واحد ، ووزان واحد .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا يجزئ أقل من قاسمين ، كما لا يجزئ أقل من مقومين ، وكما لا يجزئ في جزاء الصيد أقل من مجتهدين ولا يمتنع إذا كان القاسم كالحاكم أن يجمع فيه بين اثنين كما قال تعالى : فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها . وقال آخرون من أصحابنا : ليس ذلك على قولين ، وإنما هو على اختلاف حالين : وهو إن كان في الشركاء طفل ، أو غائب ، لا يجيب عن نفسه لم يجز أقل من قاسمين ، وإن كانوا حضورا يجيبون عن أنفسهم أجزأ قاسم واحد ، ويقبل الحاكم قول القاسم هاهنا ، لاستنابته له كما يقبل قول خلفائه فإن جازت بقاسم واحد قيل فيها قول الواحد ، وإن لم تجز إلا بقاسمين لم يقبل قول الواحد وقبل قول الاثنين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية