الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : [ السبب المؤدي إلى معرفة الأصول الشرعية ] .

                                                                                                                                            فإذا ثبت وجوب النظر في الأصول الشرعية فالسبب المؤدي إلى معرفتها والعمل بها شيئان :

                                                                                                                                            أحدهما : علم الحق وهو العقل : لأن حجج العقل أصل لمعرفة الأصول إذ ليس تعرف صحة الأصول إلا بحجج العقول . ولذلك لم يرد الشرع إلا بما أوجبه العقل أو جوزه ولم يرد بما حظره العقل وأبطله قال الله تعالى : وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون [ العنكبوت : 43 معناه وما يعقلها إلا العاقلون لقوله : إن في ذلك لآيات لأولي النهى [ طه : 54 ] . يعني أولي العقول .

                                                                                                                                            فصارت حجج العقول قاضية على حجج السمع ومؤدية إلى علم الاستدلال ، ولذلك سمى كثير من العلماء العقل أم الأصول .

                                                                                                                                            والسبب الثاني في معرفة الأصول الشرعية معرفة لسان العرب :

                                                                                                                                            وهو معتبر في حجج السمع خاصة ، قال الله تعالى : وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم [ إبراهيم : 4 ] . لأنه لا يخاطبهم إلا بما يفهم عنه ليكون حجة عليهم ولهم ، وقد قال تعالى : لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين [ النحل : 103 ] . فاحتاج الناظر إلى معرفة لسانهم ، وموضوع خطابهم ، ليفرق بين الحقيقة والمجاز ، وبين الإثبات والنفي ، وبين المطلق والمقيد ، وبين العام والخاص ، وبين المفسر والمجمل ، وبين الناسخ والمنسوخ ، ويفرق بين الفاعل والمفعول ، ويعرف صيغة الأوامر والنواهي .

                                                                                                                                            فإن قصر عنها لم يصح منه النظر .

                                                                                                                                            ولسنا نعني أن يكون عالما بجميع لغتهم وإعراب كلامهم ، لأن التشاغل به يقطعه عن علم ما سواه ، وإنما نريد أن يكون عالما بموضوع كلامهم ومشهور خطابهم وهو [ ص: 55 ] مشتمل على أربعة وجوه : أمر ونهي وخبر واستخبار .

                                                                                                                                            فأما من لا يقصد النظر المؤدي إلى العلم فالذي يلزمه من معرفة العربية ما يجب أن يتلوه في صلاته من القرآن والأذكار دون غيره .

                                                                                                                                            فإذا جمع الناظر بين هذين الشيئين من علم الحواس ولسان العرب صح منه النظر في الأصول وكانا أصلين في العلم بها .

                                                                                                                                            وقد اختلف في العبارة عن الأصل والفرع ، فقال بعضهم : الأصل ما دل على غيره ، والفرع ما دل عليه غيره . فعلى هذه العبارة يجوز أن يقول في الكتاب أنه فرع لعلم الحس ، لأنه الدال على صحته .

                                                                                                                                            وقال آخرون : الأصل ما تفرع عنه غيره ، والفرع ما تفرع عن غيره فعلى هذا لا يجوز أن يقال في الكتاب أنه فرع لعلم الحس ، لأن الله تعالى تولاه وجعله أصلا دل العقل عليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية