الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " لو عزل فقال قد كنت قضيت لفلان على فلان لم يقبل إلا بشهود " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : فالكلام في هذه المسألة يشتمل على أربعة فصول :

                                                                                                                                            أحدها : في ولايته .

                                                                                                                                            والثاني : في عزله .

                                                                                                                                            والثالث : في حكمه .

                                                                                                                                            والرابع : في قوله .

                                                                                                                                            فأما الفصل الأول في ولايته فمعتبرة بما تضمنه عهده من حدود العمل وصفة النظر من عموم أو خصوص ، وعلى الإمام فيه حق ، وعلى القاضي فيه حق .

                                                                                                                                            [ ص: 332 ] فأما ما على الإمام من حق فثلاثة أشياء :

                                                                                                                                            أحدها : تقوية يده حتى لا يعجز عن استيفاء حق ودفع ظلم .

                                                                                                                                            والثاني : مراعاة عمله حتى لا يتخطاه إلى غيره ولا يخل ببعضه .

                                                                                                                                            والثالث : مراعاة أحكامه ، وإن تحرى ، عمل السداد من غير تجاوز ولا تقصير .

                                                                                                                                            ولذلك ما اخترنا للإمام أن يثبت نسخة العهد في ديوانه ؛ لتعتبر أفعاله بما تضمنها وما يلزمه من مراعاته في مبادئ نظره أكثر مما يلزمه فيما بعد ، وإن لم يجز أن يخل بمراعاته في حال من الأحوال .

                                                                                                                                            فإن شق ذلك عليه ندب له من يراعيه وينهي إليه ما يجري فيه .

                                                                                                                                            ولذلك قلد الإمام قاضي القضاة ليكون نائبا عنه في مراعاة القضاة .

                                                                                                                                            وأما ما على القاضي من الحق فثلاثة أشياء :

                                                                                                                                            أحدها : أن يعمل بما تضمنه عهده من عمل ونظر ، فلا يتجاوز عمله ولا يقصر عنه ولا يتعدى ما جعل إليه من خصوص النظر ولا يخل بما جعل إليه من العموم النظر . ولذلك أمر بقراءة عهده على أهل عمله ليعلموا منه ما إليه وما ليس إليه .

                                                                                                                                            والأولى أن يكون معه عند قراءة عهده شاهدان قد شهدا على ما تضمنه ليشهدوا به عند أهل عمله حتى يلتزموا طاعته .

                                                                                                                                            فإن أعوزت الشهادة واقترن بقراءة العهد من شواهد الأحوال ما يدل على صحته من القرب من بلد الإمام وانتشار الحال واشتهارها لزمتهم الطاعة .

                                                                                                                                            وإن لم يقترن به شاهد حال لم تلزم الطاعة .

                                                                                                                                            والثاني : من الحقوق على القاضي : أن يستمد معونة الإمام فيما عجز عنه ، من استيفاء حق أو دفع ظلم ، حتى لا يفوت حق قد ندب لاستيفائه ولا يتم ظلم قد ندب لرفعه .

                                                                                                                                            والثالث : أن لا يخل بالنظر مع المكنة اعتبارا بالعرف والعادة في أن لا يتأخر الخصوم عن المحاكمة ، ولا يمنع من الاستراحة ، وما جرت به عادة القضاة للانقطاع بمثله .

                                                                                                                                            فإن كان مرتزقا لم يستحق رزقه قبل وصوله إلى عمله .

                                                                                                                                            فإذا وصل إليه ونظر استحق الرزق .

                                                                                                                                            وإن وصل ولم ينظر فإن كان متصديا للنظر يستحقه وإن لم ينظر ، كالأجير في العمل إذا سلم نفسه إلى مستأجره فلم يستعمله استحق أجرته .

                                                                                                                                            [ ص: 333 ] وإن لم يتصد للنظر فلا رزق له ، كالأجير إذا لم يسلم نفسه للعمل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية