الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : القضاء على الغائب مخصوص ببعض الحقوق .

                                                                                                                                            فإذا ثبت بما ذكرنا جواز القضاء على الغائب فهو مخصوص بحقوق الآدميين .

                                                                                                                                            فأما حقوق الله تعالى التي تدرأ بالشبهات فلا يجوز القضاء بها على غائب كحد الزنا وحد الخمر لاتساع حكمها بالمهلة .

                                                                                                                                            فإن كان مما يجمع فيه بين حق الله تعالى وحق الآدمي كالسرقة قضي على الغائب بالغرم ولم يقض عليه بالقطع إلا بعد حضوره .

                                                                                                                                            ما على القاضي في الاستعداء إليه .

                                                                                                                                            فإذا صحت هذه الجملة وجب أن نصف ما على القاضي في الاستعداء إليه والتحاكم عنده .

                                                                                                                                            فإذا تشاجر خصمان في حق ودعا أحدهما صاحبه إلى الحضور معه عند الحاكم [ ص: 301 ] وجب عليه إجابته والحضور لمحاكمته لقول الله تعالى : إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا .

                                                                                                                                            فإن امتنع وحضر الطالب مستعديا إلى القاضي على خصمه لم يخل حال الخصم من أن يكون حاضرا في بلد القاضي أو غائبا عنه .

                                                                                                                                            الخصم الحاضر في بلد القاضي .

                                                                                                                                            فإن كان حاضرا في بلده : وجب على القاضي إعداء المستعدي وإحضار خصمه لمحاكمته قبل سماع الدعوى وتحريرها ، سواء عرف أن بينهما معاملة أو لم يعرف .

                                                                                                                                            وقال مالك : لا يجوز أن يحضره إذا كان من أهل الصيانة إلا أن يعلم أن بينهما معاملة أو خلطة فيحضره . وإن لم يعلمها لم يحضر احتجاجا بما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : " لا يعدي الحاكم على خصم إلا أن يعلم بينهم معاملة " ولا مخالف له .

                                                                                                                                            ولأن فيه استبدال أهل الصيانة بما لا يعلم استحقاقه ، فوجب حفظ صيانتهم إلا بموجب .

                                                                                                                                            ودليلنا وهو قول الجمهور ما رواه النضر بن شميل ، عن الهرماس بن حبيب ، عن أبيه ، عن جده أنه استعدى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل في حق له فقال له : الزمه .

                                                                                                                                            ولم يستعلم ما بينهما من المعاملة فدل على عموم الإعداء في الجميع .

                                                                                                                                            ولأن الحقوق قد تثبت تارة عن معاملة وتارة عن غير معاملة كالغصوب والجنايات فلم يجز أن تجعل المعاملة شرطا في الإعداء .

                                                                                                                                            ولأن الحقوق لا يجوز أن تضاع لحفظ الصيانة ، وإن لم يكن في الحضور للمحاكمة استبدال للصيانة . وقد قاضى عمر أبيا إلى زيد بن ثابت وقاضى علي يهوديا إلى شريح .

                                                                                                                                            والخبر المروي عن علي غير ثابت ولو ثبت لكان القياس أقوى والعمل به أولى .

                                                                                                                                            وعلى أنه يجوز للقاضي في أهل الصيانة أن يفردهم عن مجلس العامة وينظر بينهم في منزله ، بحيث يحفظ به صيانتهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية