الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : ما يكتبه القاضي من محاكمة الخصمين .

                                                                                                                                            والفصل الثاني : فيما يكتبه القاضي من محاكمة الخصمين ، ولهما حالتان :

                                                                                                                                            إحداهما : أن يسألاه الكتابة .

                                                                                                                                            والثاني : أن لا يسألاه .

                                                                                                                                            فإن لم يسألاه إياها كان القاضي مندوبا إلى إثبات محاكمتها في ديوانه ، مشروحة بما انفصلت عليه من إلزام أو إسقاط احتياطا للمتحاكمين .

                                                                                                                                            ووجوب ذلك عليه معتبر بالحكم ، فإن كان مما قد استوفى وقبض لم يجب عليه إثباته وكان بإثباته مستظهرا .

                                                                                                                                            وإن كان فيما لم يقبض ولم يستوف ، فإن كانت الحال لاشتهارها لا ينسى مثلها [ ص: 295 ] لم يجب إثباتها إلا على وجه الاستظهار ، وإن جاز أن ينسى مثلها ووجب عليه إثباتها ليتذكر بخطه ما حكم وألزم بأنه كفيل ليحفظ الحقوق على أهلها فالتزم بذلك ما يؤول إلى حفظها .

                                                                                                                                            وإن سأله الخصم أن يكتب له ما حكم به ليكون حجة بيد . فالذي يكتبه القاضي كتابان :

                                                                                                                                            أحدهما : محضر .

                                                                                                                                            والثاني : سجل .

                                                                                                                                            والمحضر : حكاية الحال ، والسجل : حكاية المحضر ، مع زيادة إنفاذ الحكم به .

                                                                                                                                            والذي يشتمل عليه المحضر من حكاية الحال يتضمن أربعة فصول :

                                                                                                                                            أحدها : صفة الدعوى ، بعد تسمية المدعي والمدعى عليه .

                                                                                                                                            والثاني : ما يعقبها من جواب المدعى عليه من الإقرار والإنكار .

                                                                                                                                            والثالث : حكاية شهادة الشهود على وجهها فإن حكى شهادة أحدهما وإن الآخر شهد بمثل شهادته جاز بخلاف ما لو قاله الشاهد في أدائه ونكره في المحضر لمنعنا منه في الأداء .

                                                                                                                                            والرابع : ذكر التاريخ في يوم الحكم من شهره وسنته ، ولو ضم إليه ذكر ما أداه الشهود من تاريخ التحمل كان حسنا ، وإن تركه قضاة زماننا .

                                                                                                                                            وأما السجل فيتضمن ستة فصول :

                                                                                                                                            أحدها : تصديره بحكاية إشهاد القاضي بجميع ما فيه .

                                                                                                                                            والثاني : حكاية ما تضمنه المحضر من الفصول الأربعة .

                                                                                                                                            والثالث : حكاية إمهال القاضي المشهود عليه ليأتي بحجة يدفع بها ما شهد عليه ، فعجز عنها ولم يأت بها .

                                                                                                                                            والرابع : إمضاء الحكم للمشهود له وإلزامه المشهود عليه بعد مسألة الحاكم .

                                                                                                                                            والخامس : إشهاد القاضي على نفسه بما حكم به وأمضاه من ذلك .

                                                                                                                                            والسادس : تاريخ يوم الحكم والتنفيذ .

                                                                                                                                            فإذا استكمل السجل بهذه الفصول الستة ، بالألفاظ المعهودة فيه ، جعله على نسختين علم القاضي فيهما بعلامته المألوفة بخطه ليتذكر بها حكمه إذا عرض عليه وأشهد فيهما على نفسه ، وسلم إحداهما للمحكوم له ووضع الأخرى في ديوانه حجة يقابل بها سجل الخصم إن أحضره من بعد ، ولا يحتاج مع نسخة السجل الموضوعة في ديوانه إلى إثبات ما حكم به في ديوانه وأغناه السجل عن إثباته ولو استظهر بإثبات اسم السجل فيه كان أحوط .

                                                                                                                                            [ ص: 296 ] فأما تسمية الشهود الذين حكم بشهادتهم في المحضر والسجل فقد ذكرنا اختلاف الناس في الأولى منه مع اتفاقهم على جواز الأمرين .

                                                                                                                                            فرأى أكثر أهل العراق أن ترك تسميتهم أولى وهو أحوط للمشهود له .

                                                                                                                                            واختاره أبو سعيد الإصطخري من أصحابنا .

                                                                                                                                            ورأى أكثر أهل الحجاز أن تسميتهم فيه أولى ، وهو أحوط للمشهود عليه مما لعله يقدر عليه من جرحهم ، واختاره أبو العباس بن سريج من أصحابنا .

                                                                                                                                            ولو أن القاضي عدل عن كتب السجل إلى أن زاد في المحضر إنفاذ حكمه وإمضائه بعد إمهال المشهود عليه بما يدفع به الشهادة ، فلم يأت بها وعلم فيه وأشهد به على نفسه جاز .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية