الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : [ استدعاء الخصم ] .

                                                                                                                                            وإذا وجب على القاضي أن يعدي كل مستعد إليه إذا لم يعلم كذبه كان القاضي في إعدائه بالخيار بين أن ينفذ معه عونا من أمنائه يحضره إليه وبين أن يختم له في طين بخاتمه المعروف يكون علامة استدعائه ، وبين أن يجمع له بين العون والختم بحسب ما يؤديه الاجتهاد إليه من قوة الخصم وضعفه .

                                                                                                                                            [ ص: 302 ] فإن أخبر القاضي بامتناع الخصم من الحضور بعد استدعائه فإن أخبره العون الذي قد ائتمنه ، قبل قوله من غير بينة وإن أخبره به المستعدي لم يقبل قوله إلا بشاهدي عدل .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : يقبل قوله بقول شاهدين وإن لم تعرف عدالتهما .

                                                                                                                                            والعدالة عندنا شرط في كل شهادة .

                                                                                                                                            فإذا ثبت عند القاضي امتناعه من الحضور كان مخيرا فيه بحسب اجتهاده بين ثلاثة أمور .

                                                                                                                                            إما أن يحضره جبرا بأهل القوة من أعوانه .

                                                                                                                                            وإما أن ينهي أمره إلى ذي سلطان يحضره جبرا ، بعد أن لا يهتك عليه ولا على حرمه سترا .

                                                                                                                                            وإما بما اختاره أبو يوسف ، أن ينادي على بابه ، بما يتوجه عليه في الامتناع وبما يمضيه عليه من الحكم .

                                                                                                                                            فإذا تعذر حضوره مع هذه الأحوال كلها سأل القاضي هذا المدعي : ألك بينة ؟

                                                                                                                                            فإذا كان له بينة أذن له في إحضارها وأمره بتحرير الدعوة وسمع ببينته بعد تحريرها ، وحكم عليه بعد النداء على بابه ، بإنفاذ الحكم عليه ويجري مجرى الغائب في الحكم عليه .

                                                                                                                                            ولا يلزم القاضي في حق هذا المتواري أن يحلف المدعي أنه ما قبض هذا الحق ولا شيئا منه ، كما يحلفه للغائب ؛ لأن هذا قادر بحضوره على المطالبة بذلك لو أراد بخلاف الغائب فافترقا فيه .

                                                                                                                                            فإن قال المدعي ليست لي بينة ، فقد اختلف أصحابنا : هل يكون هذا الامتناع من الحضور كالنكول في رد اليمين على المدعي أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لا يجعل نكولا ، لأن النكول بعد سماع الدعوى ، وسؤاله عن الجواب ، فيصيران شرطين في النكول ، وهما مفقودان مع عدم الحضور .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو أشبه أن يجعل كالنكول بعد النداء على بابه بمبلغ الدعوى وإعلامه بأنه يحكم عليه بالنكول لوجود شرطي النكول في هذا النداء ، فعلى هذا يسمع القاضي الدعوى محررة ، ثم يعيد النداء على بابه ثانية بأنه يحكم عليه بالنكول .

                                                                                                                                            [ ص: 303 ] فإذا امتنع من الحضور بعد النداء الثاني ، حكم بنكوله ، ورد اليمين على المدعي ، وحكم له بالدعوى إذا حلف .

                                                                                                                                            استدعاء الخصم إن كان امرأة .

                                                                                                                                            فإن كان الخصم المدعى عليه امرأة لم يخل حالها ، من أن تكون برزة أو خفرة .

                                                                                                                                            فإن كانت برزة ، والبرزة التي تتظاهر بالخروج في مآربها غير مستخفية فتصير بهذا البروز كالرجل في وجوب الحضور للحكم .

                                                                                                                                            وإن كانت خفرة ، والخفرة هي التي لا تتظاهر بالخروج في أرب وإن خرجت استخفت ولم تعرف ، فلا يلزمها الحضور مع هذا الخفر ، وعلى القاضي إذا استعداه الخصم عليها أن يحكم بينها وبين خصمها في منزلها ، إما بنفسه ، أو بنائب عنه .

                                                                                                                                            فإن اختلفت وخصمها في البروز والخفر ، نظر ، فإن كانت من قوم الأغلب من حال نسائهم الخفر ، فالقول قولها مع يمينها ، وإن كان قومها الأغلب من حال نسائهم البروز ، فالقول قول الخصم مع يمينه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية