الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما وصفناه فالكلام في السنن يشتمل على فصلين :

                                                                                                                                            أحدهما : في أحوال الرواة الناقلين لها .

                                                                                                                                            والثاني : المتون المعمول عليها .

                                                                                                                                            [ القول في أحوال الرواة ] .

                                                                                                                                            فأما الفصل الأول في الرواة فيشتمل الكلام فيه على خمسة فصول :

                                                                                                                                            أحدها : في صفات الراوي .

                                                                                                                                            والثاني : في شروط التحمل .

                                                                                                                                            والثالث : في صفة الأداء .

                                                                                                                                            والرابع : في أحوال الإسناد .

                                                                                                                                            والخامس : في نقل السماع .

                                                                                                                                            [ القول في صفات الراوي ] .

                                                                                                                                            فأما الفصل الأول : في صفات الراوي : فيعتبر فيه أربعة شروط :

                                                                                                                                            أحدها : البلوغ : فإن الصغير لا يقبل قوله في الدين في خبر ولا فتيا ، لأنه لما لم يجر على قوله حكم في حق نفسه فأولى أن لا يجري عليه حكم في حق غيره .

                                                                                                                                            والشرط الثاني : العقل الموقظ : ولا يقتصر على العقل الذي يتعلق به التكليف حتى ينضم إليه التيقظ والتحفظ فيفرق بين الصحيح والفاسد ليصح تمييزه .

                                                                                                                                            والشرط الثالث : العدالة في الدين لأن الفاسق مردود القول فيه لقوله تعالى : " إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا " [ الحجرات : 6 ] . ولأن النفس لا تثق بخبره كما لا تثق بشهادته .

                                                                                                                                            ولا يرد خبر أهل الأهواء والبدع ما لم يكفروا غيرهم ويظهروا عنادهم . قد اتهم بذلك كثير من التابعين فما ردت أخبارهم ، وشدد بعض أصحاب الحديث فمنع من قبول خبر من لا يوافقه على مذهبه وهذا مفض إلى إطراح أكثر السنن .

                                                                                                                                            والشرط الرابع : أن يكون مأمون الزلل شديد اليقظة بعيدا من السهو والغفلة حتى لا يشتبه عليه الكذب بالصدق .

                                                                                                                                            [ ص: 89 ] ويكون على ثقة به فقد حكي عن مالك : أنه قال : لقد سمعت من سبعين شيخا أتقرب إلى الله بأدعيتهم لا أروي عن أحد منهم حديثا ، وإنما قال هذا لأنهم كانوا أهل سلامة لا تؤمن غفلتهم وإن قويت ديانتهم .

                                                                                                                                            ولا فرق بين العالم والجاهل إذا كان ضابطا قد قيل المصدر الأول روايات الأعراب وأهل البوادي ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " .

                                                                                                                                            وهذه الشروط الأربعة تعتبر في الشهادة كاعتبارها في الخبر

                                                                                                                                            [ القول في خبر الأعمى والعبد ] .

                                                                                                                                            ويقبل خبر الأعمى وإن لم تقبل شهادته ، ويقبل خبر العبد وإن لم تقبل شهادته .

                                                                                                                                            لأن الخبر لاختصاصه بالدين تعتبر فيه شروط المفتي ولا تعتبر فيه شروط الشاهد وفتيا الأعمى والعبد مقبولة كذلك خبرهما .

                                                                                                                                            [ القول في أخبار النساء ] :

                                                                                                                                            وتقبل أخبار النساء .

                                                                                                                                            وامتنع أبو حنيفة من قبول أخبار النساء في الدين إلا أخبار عائشة وأم سلمة .

                                                                                                                                            وهذا فاسد من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لو كان نقص الأنوثة مانعا لعم .

                                                                                                                                            والثاني : أن قبول قولهن في الفتيا يوجب قبوله في الأخبار لأن الفتيا أغلظ شروطا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية