هو نجدة بن عامر بن عبد الله بن ساد بن المفرج الحنفي ، وكان مع نافع بن الأزرق ، ففارقه لإحداثه في مذهبه ما تقدم ذكره ، وسار إلى اليمامة ، ودعا أبا طالوت إلى نفسه ، فمضى إلى الحضارم فنهبها ، وكانت لبني حنيفة ، فأخذها منهم فيها من الرقيق ما عدتهم وعدة أبنائهم ونسائهم أربعة آلاف ، فغنم ذلك وقسمه بين أصحابه ، وذلك سنة خمس وستين فكثر جمعه . معاوية بن أبي سفيان
ثم إن عيرا خرجت من البحرين ، وقيل من البصرة ، تحمل مالا وغيره يراد بها ابن [ ص: 282 ] الزبير ، فاعترضها نجدة فأخذها وساقها حتى أتى بها أبا طالوت بالخضارم فقسمها بين أصحابه ، وقال : اقتسموا هذا المال وردوا هؤلاء العبيد واجعلوهم يعملون الأرض لكم فإن ذلك أنفع . فاقتسموا المال وقالوا : نجدة خير لنا من أبي طالوت ، فخلعوا أبا طالوت وبايعوا نجدة وبايعه أبو طالوت وذلك في سنة ست وستين ، ونجدة يومئذ ابن ثلاثين سنة .
ثم سار في جمع إلى بني كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، فلقيهم بذي المجاز فهزمهم وقتلهم قتلا ذريعا ، وصبر كلاب وعطيف ابنا قرة بن هبيرة القشيريان وقاتلا حتى قتلا ، وانهزم قيس بن الرقاد الجعدي فلحقه أخوه لأبيه معاوية فسأله أن يحمله ردفا فلم يفعل .
ورجع نجدة إلى اليمامة فكثر أصحابه فصاروا ثلاثة آلاف ، ثم سار نجدة إلى البحرين سنة سبع وستين ، فقالت الأزد : نجدة أحب إلينا من ولاتنا لأنه ينكر الجور وولاتنا يجوزونه ، فعزموا على مسالمته ، واجتمعت عبد القيس ومن بالبحرين غير الأزد على محاربته ، فقال بعض الأزد : نجدة أقرب إليكم منه إلينا لأنكم كلكم من ربيعة فلا تحاربوه ! وقال بعضهم : لا ندع نجدة وهو حروري مارق تجري علينا أحكامه . فالتقوا بالقطيف فانهزمت عبد القيس وقتل منهم جمع كثير وسبى نجدة من قدر عليه من أهل القطيف ، ( فقال الشاعر :
نصحت لعبد القيس يوم قطيفها وما نفع نصح ، قيل ، لا يتقبل
وأقام نجدة بالقطيف ووجه ابنه المطرح في جمع إلى المنهزمين من عبد القيس ، فقاتلوه بالثوير ، فقتل المطرح بن نجدة وجماعة من أصحابه .
وأرسل نجدة سرية إلى الخط فظفر بأهله ، وأقام نجدة بالبحرين . فلما قدم إلى مصعب بن الزبير البصرة سنة تسع وستين بعث إليه عبد الله بن عمير الليثي الأعور في أربعة عشر ألفا ( فجعل يقول : اثبت نجدة فإنا لا نفر ) ، فقدم ونجدة بالقطيف ، فأتى نجدة إلى ابن عمير ، وهو غافل ، فقاتل طويلا وافترقوا ، وأصبح ابن عمير فهاله ما رأى في عسكره من القتلى والجرحى ، وحمل عليهم نجدة فلم يلبثوا أن انهزموا ، فلم يبق عليهم نجدة وغنم ما في عسكرهم وأصاب جواري فيهن أم ولد لابن عمير ، فعرض عليها أن يرسلها إلى مولاها فقالت : لا حاجة بي إلى من فرعني وتركني .
[ ص: 283 ] وبعث نجدة أيضا بعد هزيمة ابن عمير جيشا إلى عمان واستعمل عليهم عطية بن الأسود الحنفي ، وقد غلب عليها ، وهو شيخ كبير ، وابناه عباد بن عبد الله سعيد وسليمان يعشران السفن ويجبيان البلاد ، فلما أتاهم عطية قاتلوه فقتل عباد واستولى عطية على البلاد فأقام بها أشهرا ثم خرج منها واستخلف رجلا يكنى أبا القاسم ، فقتله سعيد وسليمان ابنا عباد وأهل عمان .
ثم خالف عطية نجدة ، على ما نذكره إن شاء الله ، فعاد إلى عمان فلم يقدر عليها فركب في البحر وأتى كرمان وضرب بها دراهم سماها العطوية وأقام بكرمان . فأرسل إليه المهلب جيشا ، فهرب إلى سجستان ثم إلى السند ، فلقيه خيل المهلب بقندابيل فقتله ، وقيل : قتله الخوارج .
ثم بعث نجدة إلى البوادي بعد هزيمة ابن عمير أيضا من يأخذ من أهلها الصدقة ، فقاتل أصحابه بني تميم بكاظمة ، وأعان أهل طويلع بني تميم ، فقتلوا من الخوارج رجلا ، فأرسل نجدة إلى أهل طويلع من أغار عليهم وقتل منهم نيفا وثلاثين رجلا وسبى . ثم إنه دعاهم بعد ذلك فأجابوه ، فأخذ منهم الصدقة ، ثم سار نجدة إلى صنعاء في خف من الجيش ، فبايعه أهلها وظنوا أن وراءه جيشا كثيرا ، فلما لم يروا مددا يأتيه ندموا على بيعته ، وبلغه ذلك فقال : إن شئتم أقلتكم بيعتكم وجعلتكم في حل منها وقاتلتكم . فقالوا : لا نستقيل بيعتنا . فبعث إلى مخالفيها منهم الصدقة ، وبعث نجدة أبا فديك إلى حضرموت فجبى صدقات أهلها .
وحج نجدة سنة ثمان وستين ، وقيل سنة تسع وستين ، وهو في ثمانمائة وستين رجلا ، وقيل في ألفي رجل وستمائة رجل ، وصالح ابن الزبير على أن يصلي كل واحد بأصحابه ويقف بهم ويكف بعضهم عن بعض .
فلما صدر نجدة عن الحج سار إلى المدينة ، فتأهب أهلها لقتاله ، وتقلد عبد الله بن عمر سيفا ، فلما كان نجدة بنخل أخبر بلبس السلاح ، فرجع إلى ابن عمر الطائف وأصاب بنتا لعبد الله بن عمرو بن عثمان كانت عند ظئر لها فضمها إليه ، فقال بعض أصحابه : إن نجدة ليتعصب لهذه الجارية فامتحنوه ، فسأله بعضهم بيعها منه ، فقال : قد أعتقت نصيبي منها فهي حرة . قال : فزوجني إياها . قال : هي بالغ وهي [ ص: 284 ] أملك بنفسها فأنا أستأمرها ، فقام من مجلسه ثم دعا ، قال : قد استأمرتها وكرهت الزواج .
فقيل : إن عبد الملك أو عبد الله بن الزبير كتب إليه : والله لئن أحدثت فيها حدثا لأطأن بلادك وطأة لا يبقى معها بكري .
وكتب نجدة إلى يسأله عن أشياء ، فقال : سلوا ابن عمر ، فسألوه ، ومساءلة ابن عباس مشهورة . ابن عباس
ولما سار نجدة من الطائف أتاه عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي فبايعه عن قومه ، ولم يدخل نجدة الطائف ، فلما قدم الحجاج الطائف لمحاربة ابن الزبير قال لعاصم : يا ذا الوجهين بايعت نجدة ! قال : إي والله وذو عشرة أوجه ، أعطيت نجدة الرضى ودفعته عن قومي وبلدي .
واستعمل الحاروق ، وهو حراق ، على الطائف وتبالة والسراة ، واستعمل سعد الطلائع على ما يلي نجران ، ورجع نجدة إلى البحرين فقطع الميرة عن أهل الحرمين منها ومن اليمامة ، فكتب إليه : إن ابن عباس ثمامة بن أثال لما أسلم قطع الميرة عن أهل مكة وهم مشركون ، فكتب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أهل مكة أهل الله فلا تمنعهم الميرة ، فجعلها لهم ، وإنك قطعت الميرة عنا ونحن مسلمون . فجعلها نجدة لهم .
ولم يزل عمال نجدة على النواحي حتى اختلف عليه أصحابه فطمع فيهم الناس ، فأما الحاروق فطلبوه بالطائف فهرب ، فلما كان في العقبة في طريقه لحقه قوم يطلبونه فرموه بالحجارة حتى قتلوه .