ذكر معاوية بن يزيد بن معاوية وعبد الله بن الزبير بيعة
في هذه السنة بويع بالخلافة لمعاوية بن يزيد بالشام ، ولعبد الله بن الزبير بالحجاز ، ولما هلك يزيد بلغ الخبر عبد الله بن الزبير بمكة قبل أن يعلم الحصين بن نمير ومن معه من عسكر الشام ، وكان الحصار قد اشتد من الشاميين على ابن الزبير ، فناداهم ابن الزبير وأهل مكة : علام تقاتلون وقد هلك طاغيتكم ؟ فلم يصدقوهم .
فلما بلغ الحصين خبر موته بعث إلى ابن الزبير فقال : موعد ما بيننا الليلة الأبطح ، فالتقيا وتحادثا ، فراث فرس الحصين ، فجاء حمام الحرم يلتقط روث الفرس ، فكف الحصين فرسه عنهن وقال : أخاف أن يقتل فرسي حمام الحرم .
فقال ابن الزبير : تتحرجون من هذا وأنتم تقتلون المسلمين في الحرم ؟ فكان فيما قال له الحصين : أنت أحق بهذا الأمر ، هلم فلنبايعك ثم اخرج معنا إلى الشام ، فإن هذا الجند الذين معي هم وجوه الشام وفرسانهم ، فوالله لا يختلف عليك اثنان وتؤمن الناس وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك وبين أهل الحرم .
فقال له : أنا لا أهدر الدماء ، والله لا [ ص: 226 ] أرضى أن أقتل بكل رجل منهم عشرة منكم .
وأخذ الحصين يكلمه سرا ، وهو يجهر ويقول : والله لا أفعل .
فقال له الحصين : قبح الله من يعدك بعد ( داهيا وأريبا ) قد كنت أظن أن لك رأيا ، وأنا أكلمك سرا وتكلمني جهرا ، وأدعوك إلى الخلافة ( وأنت لا تريد إلا ) القتل والهلكة .
ثم فارقه ورحل هو وأصحابه نحو المدينة ، وندم ابن الزبير على ما صنع ، فأرسل إليه : أما المسير إلى الشام فلا أفعله ولكن بايعوا لي هناك فإني مؤمنكم وعادل فيكم .
فقال الحصين : إن لم تقدم بنفسك لا يتم الأمر ، فإن هناك ناسا من بني أمية يطلبون هذا الأمر .
وسار الحصين إلى المدينة ، فاجترأ أهل المدينة على أهل الشام ، فكان لا ينفرد منهم أحد إلا أخذت دابته ، فلم يتفرقوا ، وخرج معهم بنو أمية من المدينة إلى الشام ، ولو خرج معهم ابن الزبير لم يختلف عليه أحد .
فوصل أهل الشام دمشق وقد بويع ، فلم يمكث إلا ثلاثة أشهر حتى هلك ، وقيل : بل ملك أربعين يوما ومات . معاوية بن يزيد
وعمره إحدى وعشرون سنة وثمانية عشر يوما .
ولما كان في آخر إمارته أمر فنودي : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإني ضعفت عن أمركم فابتغيت لكم مثل حين استخلفه عمر بن الخطاب أبو بكر فلم أجده ، فابتغيت ستة مثل [ ستة ] الشورى فلم أجدهم ، فأنتم أولى بأمركم فاختاروا له من أحببتم .
ثم دخل منزله وتغيب حتى مات .
وقيل : إنه مات مسموما ، وصلى عليه ، ثم أصابه الطاعون من يومه فمات أيضا ، وقيل : لم يمت ، وكان الوليد بن عتبة بن أبي سفيان معاوية أوصى أن يصلي بالناس حتى يقوم لهم خليفة ، وقيل الضحاك بن قيس لمعاوية : لو استخلفت ؟ فقال : لا أتزود مرارتها وأترك لبني أمية حلاوتها .