الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 499 - 500 ] ( فإن اطلع المشتري على خيانة في المرابحة فهو بالخيار عند أبي حنيفة رحمه الله ، إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء تركه وإن اطلع على خيانة في التولية أسقطها من الثمن ، وقال أبو يوسف رحمه الله : يحط فيهما ، وقال محمد رحمه الله : يخير فيهما ) لمحمد رحمه الله أن الاعتبار للتسمية ; لكونه معلوما ، والتولية والمرابحة ترويج وترغيب فيكون وصفا مرغوبا فيه كوصف السلامة فيتخير بفواته ، ولأبي يوسف رحمه الله أن الأصل فيه كونه تولية ومرابحة ولهذا ينعقد بقوله وليتك بالثمن الأول أو بعتك مرابحة على الثمن الأول إذا كان ذلك معلوما فلا بد من البناء على الأول وذلك بالحط ، غير أنه يحط في التولية قدر الخيانة من رأس المال وفي المرابحة منه ومن الربح ، ولأبي حنيفة رحمه الله أنه لو لم يحط في التولية لا تبقى تولية ; لأنه يزيد على الثمن الأول فيتغير التصرف فتعين الحط [ ص: 501 ] وفي المرابحة لو لم يحط تبقى مرابحة وإن كان يتفاوت الربح فلا يتغير التصرف فأمكن القول بالتخيير ، فلو هلك قبل أن يرده أو حدث فيه ما يمنع الفسخ يلزمه جميع الثمن في الروايات الظاهرة ; لأنه مجرد خيار لا يقابله شيء من الثمن كخيار الرؤية والشرط ، بخلاف خيار العيب ; لأنه المطالبة بتسليم الفائت فيسقط ما يقابله عند عجزه .

التالي السابق


( قوله فإن اطلع المشتري على خيانة في المرابحة ) إما بإقرار البائع أو بالبينة أو بنكوله عن اليمين وقد ادعاه المشتري هذا على المختار ، وقيل لا تثبت إلا بإقراره ; لأنه في دعوى الخيانة مناقض فلا يتصور ببينة ولا نكول ، والحق سماعها كدعوى العيب ودعوى الحط فإنها تسمع ( فهو بالخيار عند أبي حنيفة رحمه الله ، إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء ترك ) وإن اطلع عليها في التولية يحط قدرها ( وقال أبو يوسف : يحط فيهما ) أي في المرابحة والتولية وهو قول الشافعي ( وقال محمد : يخير فيهما ) وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى ( لمحمد : إن الاعتبار فيهما ليس إلا للتسمية ) لأن الثمن به يصير معلوما وبه ينعقد البيع ، ولا خيار بأنه الثمن الأول فيهما لا يتعلق الانعقاد به .

إنما هو ( ترويج وترغيب فيكون وصفا مرغوبا فيه ) كوصف الكتابة والخياطة ( فبفواته ) بظهور أن الثمن ليس ذاك ( يتخير . ولأبي يوسف أن الأصل فيه )

أي في عقد المرابحة والتولية ( كونه تولية ومرابحة ) وذلك بالبناء على الثمن الأول فيتعلق به العقد باعتبار أنه تولية ومرابحة عليه ( وذلك بالحط غير أنه يحط في التولية مقدار الخيانة من رأس المال وفي المرابحة يحطه منه ومن الربح ) على نسبته ، حتى لو رابح في ثوب على عشرة بخمسة فظهر أن الثوب بثمانية يحط ثلاثة دراهم من الثمن ، درهمين من رأس المال ومن الربح خمسه وهو درهم .

( ولأبي حنيفة ) في الفرق بينهما كما قال أبو يوسف في التولية وهو ( أنه لو لم يحط فيها لا تبقى تولية ; لأنه يزيد على الثمن الأول ) والعقد إنما تعلق باعتبارها فيتغير التصرف إلى بيع آخر بثمن آخر ولم يوجد ذلك البيع الآخر [ ص: 501 ] و ) أما ( في المرابحة لو لم يحط ) لا تخرج عن كونها مرابحة لتغير التصرف ( وإن كان يتفاوت الربح ) فإنه يظهر أن الربح أكثر مما ظنه المشتري ( فأمكن القول ) ببقاء العقد ولكن يتخير لما ذكر محمد من فوات الوصف المرغوب فيه ( فلو هلك ) المبيع ( قبل أن يرده ) أو استهلكه ( أو حدث فيه ما يمنع الفسخ لزمه جميع الثمن في الروايات الظاهرة ; لأنه مجرد خيار لا يقابله شيء من الثمن كخيار الرؤية والشرط ) وفيهما يلزمه تمام الثمن قبل الفسخ فكذا هنا وهو المشهور من قول محمد ( بخلاف خيار العيب ) ; لأن المستحق فيه جزء فائت يطالب به ( فيسقط ما يقابله إذا عجز عن تسليمه ) .

وأما على قول أبي يوسف ، فلو هلك المبيع أو انتقص يحط ، وقوله في الروايات الظاهرة احتراز عما عن محمد من غير رواية الأصول أنه يفسخ البيع على القيمة إن كانت أقل من الثمن حتى يندفع الضرر عن المشتري بناء على أصله في مسألة التحالف بعد هلاك السلعة أنه يفسخ بعد التحالف دفعا للضرر عن المشتري ويرد القيمة ويسترد الثمن .




الخدمات العلمية