الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال وإن رأى صحن الدار فلا خيار له وإن لم يشاهد بيوتها ) وكذلك إذا رأى خارج الدار أو رأى أشجار البستان من خارج . وعند زفر لا بد من دخول داخل البيوت ، والأصح أن جواب الكتاب على وفاق عادتهم في الأبنية ، فإن دورهم لم تكن متفاوتة يومئذ ، فأما اليوم فلا بد من الدخول في داخل الدار للتفاوت ، والنظر إلى الظاهر لا يوقع العلم بالداخل .

التالي السابق


( قوله وإن رأى صحن الدار فلا خيار له وإن لم يشاهد بيوتها ، وكذا إذا رأى خارج الدار ورأى أشجار البستان من خارج ) ; لأن النظر إلى جميع أجزائها متعذر ، إذ لا يمكن النظر إلى ما تحت السرر وإلى ما بين الحيطان من الجذوع فيكتفي برؤية المقصود منها ( وعند زفر لا بد من دخول البيوت والأصح أن جواب الكتاب على وفق عادتهم في الأبنية )

في الكوفة ( فإن دورهم لم تكن متفاوتة ) وأما في ديارنا ( فلا بد من الدخول داخل الدار ) كما قال زفر ( لتفاوت الدور ) بكثرة [ ص: 345 ] المرافق وقلتها فلا يصير معلوما بالنظر إلى صحنها وهو الصحيح ، وهذا لا يفيد .

إلا أن يقال : وكل من ذلك مقصود ، وعلى هذا ما ذكرنا من أنه لا يشترط رؤية العلو إلا في بلد يكون العلو مقصودا كما في سمرقند ، ولا يشترط رؤية المطبخ والمزبلة على خلاف بلادنا بديار مصر . وشرط بعضهم رؤية الكل وهو الأظهر والأشبه كما قال الشافعي ، وهو المعتبر في ديار مصر والشام والعراق . وأما ما ذكر في الأشجار من الاكتفاء برؤية رءوس الأشجار أو رؤية خارجه فقد أنكر بعض المشايخ هذه الرواية وقال : المقصود من البستان باطنه فلا يكتفى برؤية ظاهره .

وفي جامع قاضي خان : لا يكتفى برؤية الخارج ورءوس الأشجار انتهى .

وفي الكرم لا بد من رؤية عنب الكرم من كل نوع شيئا ، وفي الرمان لا بد من رؤية الحلو الحامض . ولو اشترى دهنا في زجاجة فرؤيته من خارج الزجاجة لا تكفي حتى يصبه في كفه عند أبي حنيفة ; لأنه لم ير الدهن حقيقة لوجود الحائل . وعن محمد : يكفي ; لأن الزجاج لا يخفي صورة الدهن ، وروى هشام أن قول محمد موافق لقول أبي حنيفة . وفي التحفة : لو ظهر في المرآة فرأى المبيع قالوا لا يسقط خياره ; لأنه ما رأى عينه بل مثاله ، ولو اشترى سمكا في الماء يمكن أخذه من غير اصطياد فرآه في الماء ، قال بعضهم يسقط خياره ; لأنه رأى عين المبيع ، وقال بعضهم لا يسقط وهو الصحيح ; لأن المبيع لا يرى في الماء على حاله بل يرى أكبر مما هو ، فهذه الرؤية لا تعرف المبيع .

وأما إذا كان المبيع مغيبا في الأرض كالجزر والبصل والثوم والفجل ونحوها لم يذكر في ظاهر الرواية . وروى بشر عن أبي يوسف إن كان شيئا يكال أو يوزن بعد القلع كالثوم والبصل والزعفران والسلجم إن باعه بعدما نبت نباتا يفهم به وجوده تحت الأرض جاز البيع ، فإن قلع البعض هل يثبت له الخيار حتى إذا رضي به يلزم البيع في الكل إن قلع البائع أو المشتري بإذن البائع يثبت له الخيار ، فلو رضي به لزم البيع في الكل لما عرف أن رؤية بعض المكيل أو الموزون كرؤية الكل ، وإن قلعه المشتري بغير إذنه إن كان المقلوع شيئا له ثمن بطل خياره في الكل فلم يكن له أن يرده رضي بالمقلوع أو لم يرض وجد في ناحية من الأرض أقل منه أو لم يوجد ; لأن بالقلع صار المقلوع معيبا ; لأنه كان حيا ينمو وبعده صار مواتا . والتعيب في يد المشتري يمنع الرد بخيار الرؤية ، وإن كان المقلوع شيئا لا ثمن له لا يبطل خياره ; لأن وجوده كعدمه .

وإن كان شيئا يباع عددا إن قلعه البائع أو المشتري بإذنه له الخيار في الباقي ، حتى لو رضي به لا يلزم البيع في الكل ; لأنه عددي متفاوت ، فرؤية بعضه لا تكون كرؤية كله ، وإن قلعه المشتري بغير إذن البائع بطل خياره . وقد حكي فيه خلاف بين أبي حنيفة وبينهما فما ذكرنا قول أبي حنيفة .

وقال أبو يوسف ومحمد : رؤية بعضه كرؤية كله ، وجعلاه كالمكيل والموزون والعددي المتقارب ; لأن ببعضها يستدل في العادة على الكل ، وإن اختلف البائع والمشتري في القلع فقال المشتري : أخاف إن قلعته لا يصلح لي ولا أقدر على الرد ، وقال البائع : لو قلعته فقد لا ترضى بتطوع إنسان بالقلع فإن تشاحا فسخ القاضي العقد بينهما




الخدمات العلمية