الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن اشترى امرأته [ ص: 309 ] على أنه بالخيار ثلاثة أيام لم يفسد النكاح ) ; لأنه لم يملكها لما له من الخيار ( وإن وطئها له أن يردها ) ; لأن الوطء بحكم النكاح ( إلا إذا كانت بكرا ) ; لأن الوطء ينقصها ، وهذا عند أبي حنيفة ( وقالا : يفسد النكاح ) ; لأنه ملكها ( وإن وطئها لم يردها ) ; لأن وطأها بملك اليمين فيمتنع الرد وإن كانت ثيبا ; ولهذه المسألة أخوات كلها تبتني على وقوع الملك للمشتري بشرط الخيار وعدمه : منها عتق المشترى على المشتري إذا كان قريبا له في مدة الخيار ، ومنها : عتقه إذا كان المشتري حلف إن ملكت عبدا فهو حر .

[ ص: 310 ] بخلاف ما إذا قال : إن اشتريت فهو حر ; لأنه يصير كالمنشئ للعتق بعد الشراء فيسقط الخيار ، ومنها أن حيض المشتراة في المدة لا يجتزأ به عن الاستبراء عنده ، وعندهما يجتزأ ; ولو ردت بحكم الخيار إلى البائع لا يجب عليه الاستبراء عنده ، وعندهما يجب إذا ردت بعد القبض . ومنها إذا ولدت المشتراة في المدة بالنكاح لا تصير أم ولد له عنده خلافا لهما ، .

[ ص: 311 ] ومنها إذا قبض المشتري المبيع بإذن البائع ثم أودعه عند البائع فهلك في يده في المدة هلك من مال البائع لارتفاع القبض بالرد لعدم الملك عنده ، وعندهما من مال المشتري لصحة الإيداع باعتبار قيام الملك .

ومنها لو كان المشتري عبدا مأذونا له فأبرأه البائع من الثمن في المدة بقي على خياره عنده ; لأن الرد امتناع عن التملك والمأذون له يليه ، وعندهما بطل خياره ; لأنه لما ملكه كان الرد منه تمليكا بغير عوض وهو ليس من أهله .

[ ص: 312 ] ومنها إذا اشترى ذمي من ذمي خمرا على أنه بالخيار ثم أسلم بطل الخيار عندهما ; لأنه ملكها فلا يملك ردها وهو مسلم . وعنده يبطل البيع ; لأنه لم يملكها فلا يتملكها بإسقاط الخيار بعده وهو مسلم .

التالي السابق


( قوله ومن اشترى امرأته [ ص: 309 ] على أنه بالخيار ثلاثة أيام لم يفسد النكاح ) عند أبي حنيفة ( لأنه لم يملكها لما له من الخيار ) والمبيع لا يدخل في ملك المشتري بالخيار ، فلو رد البيع استمرت زوجة عنده . وعندهما إذا فسخه رجعت إلى مولاها بلا نكاح عليها ( وإن وطئها ) بعد الشراء ( له أن يردها ) بالخيار ; لأن الوطء لا يلزم هنا أن يكون إجازة ; لأن له في النكاح ملكا قائما يحل له الوطء فلم يلزم كون وطئه إجازة ( إلا إذا كانت بكرا ; لأن الوطء ينقص البكر ) فيمتنع الرد للعيب الذي حدث عنده ، ومن هذا يعرف أنه لو نقصها الوطء وهي ثيب يمتنع الرد عنده أيضا للنقص الذي دخلها لا لذات الوطء ، فإن قيل : لما زوجها مولاها الذي باعها فقد رضي بالنقصان بزوال البكارة وحين أثبت له الخيار فقد رضي بالرد فيكون راضيا بردها ناقصة . أجيب بمنع بقاء الرضا بذلك بعد البيع بل لما باعها نسخ ذلك الرضا إلى الرضا بما هي أحكام هذا البيع وأحكام هذا البيع ما ذكرناه ( وقالا : يفسد النكاح ; لأنه ملكها ، فإن وطئها لا يردها ) ولو كانت ثيبا ; لأن الوطء بعد انفساخ النكاح ليس إلا بملك اليمين فكان مسقطا للخيار ورضا بالبيع ، وهذه المسألة من فروع الخلاف في ثبوت الملك في البيع للمشتري بشرط الخيار وعدمه ( ولها أخوات ) ذكرها المصنف تفريعا على الخلاف في ذلك ( منها عتق ) العبد ( المشترى على المشتري ) بشرط الخيار ( وفي مدة الخيار إذا كان قريبه ) قرابة محرمة عندهما وعنده لا يعتق حتى تنقضي المدة ، ولم يفسخ ; لأنه لم يملكه ( ومنها أن من قال : إن ملكت عبدا فهو حر ) فاشترى عبدا بشرط الخيار فإنه لا يعتق عند أبي حنيفة ; لأنه لم يملكه بسبب الخيار فلم يوجد الشرط ، وعندهما وجد فعتق ; لأنه ملكه . أما لو قال : إن اشتريت عبدا فهو حر فاشترى عبدا بشرط الخيار فإنه يعتق بالاتفاق لوجود الشرط وهذا شراء فيكون كالمنشئ للعتق بعده من حيث ثبوت الحرية لا من كل وجه ، ولذا لا يعتق عن الكفارة إذا نوى الحالف بشرائه أن يعتق عن كفارته . ومنها لو اشترى جارية على أنه بالخيار فحاضت في مدة الخيار أو وجد بعض الحيضة فيها ثم اختار البيع عنده لا يجتزئ بتلك الحيضة ; لأنها قبل الملك والموجود بعد الملك بعض الحيضة فلا بد من حيضة أخرى لحل الوطء . وعندهما يجتزئ بها لوجودها بعد الملك ، وينبغي أن يقيد بكون ذلك بعد القبض ; لأن السبب لوجوب الاستبراء الملك ، والملك المؤكد يكون بالقبض ، ولو اختار الفسخ فردها إلى البائع [ ص: 310 ] لا يحتاج البائع إلى استبرائها عند أبي حنيفة سواء كان الفسخ قبل القبض أو بعده .

وعندهما إن كان قبل القبض لا استبراء عليه استحسانا ، وإن كان في القياس يجب وإن كان الفسخ بعد القبض وجب على البائع استبراؤها قياسا واستحسانا لاستحداث الملك بعد ملك المشتري الملك المؤكد بالقبض فيثبت توهم الشغل ، وأجمعوا أن العقد لو كان باتا ثم فسخ بإقالة أو غيرها إن كان قبل القبض فالقياس أن يجب على البائع الاستبراء ، وفي الاستحسان غير واجب ، وإن كان بعد القبض فالاستبراء واجب قياسا واستحسانا ، ولو كان الخيار للبائع ففسخ في المدة فظاهر الرواية أنه لا يجب عليه استبراء ; لأنها لم تخرج عن ملكه ، وإن أجازه فعلى المشتري استبراؤها بحيضة بعد الإجازة بالإجماع . ومنها إذا ولدت منكوحته بعدما اشتراها على أنه بالخيار في المدة لا تصير أم ولد له وتصير أم ولد له عندهما ، وقد قيد الشارحون كلام المصنف بأن تكون الولادة قبل القبض ، ولا بد منه لما ذكر في المبسوط : لو ولدت عند المشتري ينقطع خياره ; لأنها تعيبت بالولادة وتصير أم ولد بالإجماع . وصور الطحاوي هذه الخلافية فيما إذا ولدت قبل الشراء قال : اشترى جارية وقد ولدت منه ولدا بشرط الخيار ; فعند أبي حنيفة لا تصير أم ولد له وخياره على حاله إلا إذا اختارها صارت أم ولد له ، وعندهما تصير أم ولد له بالشراء ، ويبطل خياره ويلزمه الثمن وكذا ذكره غيره ، وتقييده بكونه قبل القبض أحسن وهو يصدق بصورتين ما قبل القبض والشراء وما قبل [ ص: 311 ] القبض بعد الشراء ( ومنها إذا قبض المشتري ) بشرط الخيار له ( المبيع بإذن البائع ثم أودعه عند البائع فهلك في يده في المدة هلك من مال البائع ) عنده ( لارتفاع القبض بالرد ) ; لأنه لما لم يملكه ارتفع القبض بالإيداع ; لأن البائع لا يصلح أن يكون مودعا لملك نفسه فلا يكون الإيداع صحيحا ، وهلاك المبيع قبل القبض يبطل البيع ( وعندهما ) يهلك ( من مال المشتري لصحة الإيداع باعتبار قيام ملكه )

وقد يقال عدم صحة الإيداع باعتبار أن المالك لا يصلح مودعا لملك نفسه صحيح ، لكن الواقع أن المبيع يخرج من ملك البائع باتفاق فلا يكون مودعا لملك نفسه فتصح وديعة المشتري لتحقق إيداع غير المالك كالمضارب وغيره ، وقد يراد ملكه بحسب المآل إلا أنه ليس بلازم لجواز أن لا يئول إلى ملكه بأن يختار مشتري البيع . أما لو كان الخيار للبائع فسلمه إلى المشتري ثم إن المشتري أودعه في مدة الخيار البائع فهلك في يده قبل نفاذ البيع أو بعده يبطل البيع في قولهم جميعا . ولو كان البيع باتا فقبضه المشتري بإذن البائع أو بغير إذنه وله فيه خيار رؤية أو عيب فأودعه البائع فهلك في يده هلك على المشتري ولزمه الثمن اتفاقا ; لأن هذين الخيارين لا يمنعان ثبوت الملك فصح الإيداع منه ( ومنها لو كان المشتري ) بالخيار ( عبدا مأذونا فأبرأه البائع من الثمن في المدة ) يصح إبراؤه استحسانا لا قياسا ; لأن البائع لم يملك الثمن على المشتري بالخيار فلا يصح إبراؤه مما لا يملكه . وفي الاستحسان : يصح لوجوب سبب ملكه للثمن وهو البيع . وإذا صح إبراؤه إلا لاتفاق ( بقي على خياره ) في السلعة إن شاء أجاز البيع فيأخذها بلا ثمن ، وإن شاء رده فيرد السلعة للبائع عند أبي حنيفة ; لأنه لم يملك المبيع فكان رده امتناعا عن تملك شيء بلا عوض ( والمأذون يليه ) أي يملك ذلك كما له أن يمتنع عن قبول الهبة ( وعندهما ) لما برئ من الثمن والواقع أن المبيع يدخل في ملك المشتري بالخيار لو رده كان متبرعا [ ص: 312 ] مملكا بغير عوض والعبد المأذون ليس من أهل التبرعات ، فإذا امتنع الرد انبرم البيع بلا شيء .

واستشكل تصوير المسألة بسبب أن الثمن لا يخرج عن ملك المشتري بشرط الخيار فكيف يتصور الإبراء منه . والجواب أن الإبراء يعتمد شغل الذمة وليس من ضرورته زوال ملك المشغول ذمته عن مقداره ; ألا يرى أن المديون مشغول الذمة ولم يزل ملكه عن شيء من ماله وإنما اشتغلت ذمته لصحة السبب ; لأن شرط الخيار ليس داخلا على السبب بل على حكمه كما تقدم وبوجود البيع لا بد أن تشغل الذمة بالثمن ، ولا يظن أنه يقارن وجوب أدائه بل الثابت أصل الوجوب وليس في أصل الوجوب طلب أصلا على ما عرف ( ومنها إذا اشترى ذمي من ذمي خمرا على أن المشتري بالخيار ثم أسلم ) المشتري في مدة الخيار ( بطل خياره ) عندهما ( لأنه ملكها فلا يملك ردها وهو مسلم ، وعنده بطل البيع ; لأنه لم يملكها ولا يمكنه تملكها بإسقاط الخيار ) بعد الإسلام فتعين بطلان البيع أما لو كان الخيار للبائع وأسلم فبطلان البيع بالإجماع ، هذا آخر ما فرعه المصنف ، ومن الفروع أيضا على الخلاف في دخول المبيع في ملك المشتري بالخيار ما لو اشترى مسلم من مسلم عصيرا بالخيار فتخمر في المدة فسد البيع عنده لعجزه عن تملكه بإسقاط خياره وتم عندهما لعجزه عن رده بفسخه .

ومنها ما إذا اشترى دارا على أنه بالخيار وهو ساكنها بإجارة أو إعارة فاستدام ساكنها قال الإمام السرخسي : لا يكون اختيارا وإنما الاختيار ابتداء السكنى . وقال خواهر زاده : استدامة السكنى اختيار عندهما ; لأنه يملك العين وعنده ليس باختيار ; لأنه بإجارة أو الإعارة لم يملك شيئا ومنها حلال اشترى ظبيا بالخيار فقبضه ثم أحرم والظبي في يده ينتقض البيع عنده ويرد إلى البائع . وقالا : يلزم المشتري ولو كان الخيار للبائع ينتقض بالإجماع ولو كان للمشتري فأحرم البائع للمشتري أن يرده . ومنها أن الخيار إذا كان للمشتري وفسخ العقد فالزوائد ترد على البائع عنده ; لأنها لم تحدث على ملك المشتري .

وعندهما للمشتري ; لأنها حدثت على ملكه .




الخدمات العلمية