الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 362 ] ( قال : فلو كانت الجارية بالغة لا تحيض أو مستحاضة فهو عيب ) ; لأن ارتفاع الدم واستمراره علامة الداء ، ويعتبر في الارتفاع أقصى غاية البلوغ وهو سبع عشرة سنة فيها عند أبي حنيفة رحمه الله ، ويعرف ذلك بقول الأمة فترد إذا انضم إليه نكول البائع قبل القبض وبعده وهو الصحيح . .

التالي السابق


( قوله وإذا كانت الجارية بالغة لا تحيض أو هي مستحاضة فهو عيب ; لأن انقطاع الحيض ) في أوانه ( واستمراره علامة الداء ) فكان الانقطاع والاستمرار دليلا على الداء والداء عيب ، وقد يتولد المرض من الانقطاع في أوانه ، بخلاف ما إذا كانت بسن الإياس فإن الانقطاع ليس عيبا حينئذ فحقيقته التعيب فيهما بالداء ولذا قال بعضهم : إذا أراد أن يرد بعيب الانقطاع فلا يدعي الانقطاع بل ينبغي أن يدعي بأحد السببين من الحبل أو الداء حتى تسمع دعواه ; لأن الانقطاع بدونهما لا يعد عيبا ، والمرجع في الحبل إلى قول النساء ، وفي الداء قول الأطباء ، ولا يثبت العيب بقول الأطباء حتى تسمع الخصومة مع البائع إلا أن يتفق منهم عدلان ، بخلاف العيب الذي لا يطلع عليه إلا النساء فإنه يقبل في توجه الخصومة قول امرأة واحدة ، وكذا في الحبل .

وفي الكافي : نص على الاكتفاء في المرض الباطن بقول طبيب عدل ، ولا يشترط العدد ولفظة الشهادة ، وهكذا نص عليه الشيخ أبو المعين في شرح الجامع الكبير وهو أوجه ; لأنه لتوجه الخصومة لا للرد . وفي التحفة : إذا كان العيب باطنا لا يعرفه إلا الخواص كالأطباء والنخاسين ، فإن اجتمع عليه مسلمان أو قاله مسلم عدل قبل ، ويثبت العيب في إثبات حق الخصومة .

وفي فتاوى قاضي خان : إن أخبر بذلك واحد ثبت العيب في حق الخصومة والدعوى ، ثم يقول القاضي : هل حدث عندك هذا العيب ؟ ( أقصى غاية البلوغ وهو ) أن يكون سنها ( سبع عشرة سنة عند أبي حنيفة ، ويعرف ذلك ) أي الارتفاع والاستمرار ( بقول الأمة ) ; لأنه لا طريق له إلا ذلك ( فإذا انضم إلي قولها نكول البائع ) إذا استحلف ( قبل القبض أو بعده في الصحيح ردت ) واحترز بقوله في الصحيح عما روي عن أبي يوسف أنها ترد قبل القبض بقولها مع شهادة القابلة .

وعما عن محمد إذا كانت الخصومة قبل القبض يفسخ بقول النساء . [ ص: 363 ] وجه الصحيح أن شهادتهن حجة ضعيفة فلا يحكم بها إلا بمؤيد وهو نكول البائع ، ثم ذكر في النهاية في صفة الخصومة في ذلك أن المشتري إذا ادعى انقطاع الحيض فالقاضي يسأله عن مدة الانقطاع ، فإن ذكر مدة قصيرة لا تسمع دعواه ، وإن ذكر مدة مديدة سمعت . والمديدة روي عن أبي يوسف مقدرة بثلاثة أشهر ، وعن محمد بأربعة أشهر وعشر ، وعن أبي حنيفة وزفر بسنتين ، وما دون المديدة قصيرة ، فإن كان القاضي مجتهدا أخذ بما أدى إليه اجتهاده وإلا أخذ بما اتفق عليه أصحابنا وهو سنتان ، وإذا سمع الدعوى يسأل البائع أهي كما ذكر المشتري ، فإن قال : نعم ردها على البائع بالتماس المشتري ، وإن قال : هي كذلك للحال وما كانت كذلك عندي توجهت الخصومة على البائع لتصادقهما على قيامها للحال ، وإن طلب المشتري يمين البائع يحلف البائع فإن حلف برئ ، وإن نكل ردت عليه ، وإن شهد للمشتري شهود لا تقبل شهادتهم على الانقطاع وتقبل على الاستحاضة ; لأنها مما يمكن الاطلاع عليه ولا يمكن على الانقطاع الذي يعد عيبا ، وإن أنكر البائع الانقطاع في الحال هل يستحلف ؟ عند أبي حنيفة لا ، وعندهما يستحلف ، وهذا ينبو عن تقرير الكتاب ، وإنما يوافق تقرير الهداية ما نقله صاحب النهاية بعد ما ذكر ، هذا ما ذكر عن فتاوى قاضي خان : اشترى جارية فقبضها فلم تحض عند المشتري شهرا أو أربعين يوما .

قال القاضي الإمام : ارتفاع الحيض عيب ، وأدناه شهر واحد إذا ارتفع هذا القدر عند المشتري كان له أن يرده إذا ثبت أنه كان عند البائع انتهى .

وهذا كما ترى لا يشترط ثلاثة أشهر ولا أكثر ، وينبغي أن يعول عليه ، وما تقدم خلاف بينهم في استبراء ممتدة الطهر ، فعند أبي حنيفة وهو قول زفر سنتان ، وعند أبي يوسف ثلاثة أشهر وهو قول لأبي حنيفة ، وعنه وهو قول محمد أربعة أشهر وعشر ، وفي رواية عن محمد شهران وخمسة أيام وعليه الفتوى ، والرواية هناك ليست واردة هنا ; لأن الحكم هناك يستدعي ذلك الاعتبار فإن الوطء ممنوع شرعا إلى الحيضة لاحتمال الحبل فيكون ساقيا ماءه زرع غيره ، فقدره أبو حنيفة وزفر هناك بسنتين ; لأنه أكثر مدة الحمل ، فإذا مضتا ظهر انتفاؤه فجاز وطؤها وهو أقيس .

وقدره محمد وأبو حنيفة في رواية بأربعة أشهر وعشر ; لأنها اعتبرت عدة المتوفى عنها زوجها ; ولأن فيها يظهر الحبل غالبا لو كانت حاملا ، وقدره أبو يوسف بثلاثة أشهر ; لأنها جعلت عدة التي لا تحيض ، والحكم هنا ليس إلا كون الامتداد عيبا فلا يتجه إناطته بسنتين أو غيرها من المدد ; لأن كونه عيبا باعتبار كونه يؤدي إلى الداء وطريقا إليه ، وذلك لا يتوقف على مضي مدة معينة مما ذكر .

وبما ذكرنا ظهر أنه لا يحتاج في دعوى الانقطاع للرد به إلى تعيين أنه عن حبل أو داء في الدعوى فإن كونه عيبا باعتبار كونه مفضيا إلى الداء لا لأنه لا يكون إلا عن داء يتقدم عليه ، فلذا لم يتعرض فقيه النفس قاضي خان لما ذكر من تعيين كون الانقطاع عن أحدهما ، بل إذا ادعى الانقطاع في أوانه فقد ادعى العيب ، ويكفي شهر واحد فإن به يتحقق الانقطاع في أوانه وهو العيب ; لأنه إن كان في الواقع مسببا عن داء فهو عيب وطريقا إليه ، فكذلك فيكفي في الخصومة ادعاء ارتفاعه فقط وهو الذي يجب أن يعول عليه ، وإلا فقلما يظهر للطبيب داء بممتدة الطهر ، وكثيرا ما يكون الممتد طهرها شهرين وثلاثة صحيحة لا يظهر بها داء ، وهذا هو ظاهر الهداية ; ألا ترى إلى قوله ويعرف ذلك بقول الأمة ، وكذا قال الإمام العتابي وغيره إنما يعرف ذلك عند المنازعة بقول الأمة ; لأنه لا يقف على ذلك غيرها ، فلو كان اعتقاده لزوم دعوى الداء أو الحبل في دعوى عيب الانقطاع لم يتصور أن يثبت بقولها حينئذ [ ص: 364 ] توجه اليمين على البائع ، بل لا يرجع إلا إلى قول الأطباء أو النساء ، فظهر أن ما ذكر في النهاية من لزوم دعوى الداء أو الحبل في دعوى انقطاع الحيض ، ثم إنه يحتاج في توجه الخصومة إلى قول الأطباء أو النساء ليس تقرير ما في الكتاب ، بل ما ذكره مشايخ آخرون يغلب على الظن خطؤهم .

وكذا ما ذكر غيره من جعل هذه وزان المشتراة بكرا على قول أبي حنيفة وأبي يوسف أنه إذا قال المشتري ليست بكرا وقال البائع بكر في الحال فإن القاضي يريها النساء ، فإن قلن هي بكر لزم المشتري من غير يمين البائع ; لأن شهادتهن تأيدت بمؤيد هو أن الأصل البكارة ، وإن قلن هي ثيب لا يثبت حق الفسخ بشهادتين فيحلف البائع لقد سلمتها بحكم البيع وهي بكر إن كان بعد القبض ، وإن كان قبله حلف أنها بكر غير موافق ; لأن العيب هنا يوجب حق الخصومة بمجرد قولها حتى يتوجه عليه اليمين ويقضي بالنكول على ما في الكتاب والعتابي وغيرهما ، وفي البكارة لا بد من رؤية النساء ، وكيف ولا طريق إلى استعلام الانقطاع إلا قولها ، بخلاف البكارة لها طريق تستعلم به فلا يرجع فيها إلى قولها .

وإذا عرف هذا فقول المصنف هو الصحيح إن كان احترازا عن قول أبي يوسف أنها ترد قبل القبض بقولها مع شهادة القابلة ، وما ذكرنا عن محمد فغير مناسب ، فإن ما عن أبي يوسف ومحمد في ذلك إنما هو في دعوى البكارة والرتق والقرن وقياس هذه عليها غير صحيح ، إذ لا يعرف ذلك إلا من النساء ، وقول النساء هنا إنها منقطعة الحيض غير معتبر ، وقد ذكروا أن الشهادة على الانقطاع الكائن عيبا لا تقبل إذ لا يطلع عليه ، وترتيب الخصومة على ما في الهداية وقاضي خان والعتابي وهو ما صححناه أن يدعي الانقطاع في الحال ووجوده عند البائع ، فإن اعترف البائع بهما ردت عليه .

وإن أنكر وجوده عنده واعترف بالانقطاع في الحال استخبرت الجارية ، فإن ذكرت أنها منقطعة اتجهت الخصومة فيحلفه بالله ما وجد عنده ، فإن نكل ردت عليه ، وهذا قول المصنف ترد إذا انضم إليه نكول البائع ، ولو اعترف بوجوده عنده وأنكر الانقطاع في الحال فاستخبرت فأنكرت الانقطاع ، والغرض أن لا تقبل عليه بينة والمشتري يدعيه فقد صرح في النهاية بما قدمناه من أنه إذا أنكر الانقطاع في الحال لا يستحلف عند أبي حنيفة ويستحلف عندهما ، ويجب كون الاستحلاف على العلم بالله ما يعلم أنها منقطعة عند المشتري ، فإن نكل اتجهت الخصومة وإن حلف تعذرت ، ولعمري قلما يحلف كذلك إلا وهو بار ، ومن أين له العلم بأنها عند المشتري لم تحض ، وكأن المذكور في النهاية مبني على ما ذكره هو في صورة الخصومة ، وأما على ما في الهداية فإن القول قولها في الانقطاع ، ويمكن أن يجري فيه أيضا ، وهذا تعداد للعيوب عدة الجارية عن طلاق رجعي عيب لا عن بائن والنكاح عيب فيهما ، وكثرة الخيلان وحمرة الشعر إذا فحشت بحيث يضرب إلى البياض .

وكذا الشمط في غير أوانه دليل الداء وفي أوانه دليل الكبر ، والعشا أن لا يبصر ليلا ، والسن الساقطة ضرسا أو غيره وسواده وسواد الظفر ، والعسر وهو أن يعمل بيساره ولا يستطيع العمل بيمينه ، بخلاف أعسر يسر وهو أن يعمل بهما معا فإنه زيادة حسن ، والقشم وهو يبوسة الجلد وتشنج في الأعضاء والغرب وهو ورم في الأماقي وربما يسيل منه شيء فيصير صاحبه كصاحب الجرح السائل ، والحول والحوص نوع منه ، والشتر وهو انقلاب الجفن وبه سمي الأشتر ، والظفر هو بياض يبدو في إنسان العين وجرب العين وغيرها ، والشعر والقبل في العين ، ومنه قول الشاعر يصف خيلا :

تراهن يوم الروع كالحدإ القبل

والماء في العين والسبل ، والسعال القديم إذا كان عن داء ، فأما القدر [ ص: 365 ] المعتاد منه فلا ، والعزل وهو أن يعزل ذنبه إلى أحد الجانبين ، والمشش وهو ورم في الدابة له صلابة ، والفدع وهو اعوجاج في مفاصل الرجل ، والفحج وهو تباعد ما بين القدمين ، والصكك وهو صك إحدى ركبتيه بالأخرى ، والرتق والقرن والعفل وهو امتلاء لحم الفرج ، والسلعة والقروح وآثارها ، والدخس وهو ورم يكون بأطراف حافر الفرس والحمار ، والحنف وهو ميل كل من إبهامي الرجل إلى أخرى ، وقال محمد بن الأعرابي : الأحنف الذي يمشي على ظهر قدميه ، وتناسل شعر الرأس والصدف ، وهو التواء في أصل العنق .

وقيل ميل في البدن ، والشدق سعة مفرطة في الفم ، والتخنث قيل إذا فحش أو كان يأتي بأفعال رديئة ، والحمق ، وكونها مغنية ، وشرب الغلام ، وترك الصلاة وغيره من الذنوب ، وقلة الأكل في البقرة ونحوها وكثرته في الإنسان وقيل في الجارية عيب لا الغلام ، ولا شك أنه لا فرق إذا أفرط ، وعدم المسيل في الدار والشرب للأرض ، وكذا ارتفاعها بحيث لا تسقى إلا بالسكر ، وكون الجارية محترقة الوجه لا يدري حسنها من قبحها ، بخلاف ما إذا كانت دميمة أو سوداء ، والعثار في الدواب إن كان كثيرا فاحشا ، وكذا أكل العذار والجموح والامتناع من اللجام ، وكذا الحرن عند العطف والسير وسيلان اللعاب على وجه يبل المخلاة إذا علق عليه فيها ، وكثرة التراب في الحنطة ترد به ، بخلاف ما إذا كان معتادا ليس له أن يميز التراب ويرجع بحصته ، وكذا لو اشترى خفا أو مكعبا للبس فلم يدخل رجله فيه فهو عيب ، ولو باع سويقا ملتوتا على أن فيه كذا من السمن أو قميصا على أن فيه عشرة أذرع والمشتري ينظر إليه وظهر خلافه فلا خيار له




الخدمات العلمية