الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 100 - 101 ] ( وإذا تغلب قوم من المسلمين على بلد وخرجوا من طاعة الإمام دعاهم إلى العود إلى الجماعة وكشف عن شبهتهم ) ; لأن عليا فعل كذلك بأهل حروراء قبل قتالهم ، ولأنه أهون الأمرين . ولعل الشر يندفع به فيبدأ به .

التالي السابق


( قوله : وإذا تغلب قوم من المسلمين على بلد وخرجوا عن طاعة إمام ) الناس به في أمان والطرقات آمنة ( دعاهم إلى العود إلى الجماعة وكشف عن شبهتهم ) التي أوجبت خروجهم ( لأن عليا رضي الله عنه فعل ذلك بأهل حروراء ) قبل قتالهم ، وليس ذلك واجبا بل مستحب ; لأنهم كمن بلغتهم الدعوة لا تجب دعوتهم ثانيا وتستحب . وحروراء : اسم قرية من قرى الكوفة ، وفيه المد والقصر ، ومنه قول عائشة رضي الله عنها لمعاذة أحرورية أنت ؟ .

أسند النسائي في سننه الكبرى في خصائص علي

إلى ابن عباس رضي الله عنهم قال : لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دار وكانوا ستة آلاف . فقلت لعلي : يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة لعلي أكلم هؤلاء القوم ، قال : إني أخافهم عليك . قلت كلا . فلبست ثيابي ومضيت إليهم حتى دخلت عليهم في دار وهم مجتمعون فيها . فقالوا : مرحبا بك يا ابن عباس ما جاء بك ؟ قلت : أتيتكم من عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار ، من عند ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره ، وعليهم نزل القرآن وهم أعرف بتأويله منكم وليس فيكم منهم أحد ، جئت لأبلغكم ما يقولون وأبلغهم ما تقولون . فانتحى لي نفر منهم ، قلت : هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه وختنه وأول من آمن به ، قالوا : ثلاث . قلت : ما هي ؟ قالوا : إحداهن أنه حكم الرجال في دين الله ، وقد قال تعالى { إن الحكم إلا لله } قلت : هذه واحدة . قالوا : وأما الثانية فإنه قاتل ولم يسب ولم يغنم ، فإن كانوا كفارا فقد حلت لنا نساؤهم وأموالهم ، وإن كانوا مؤمنين فقد حرمت علينا دماؤهم ، قلت هذه أخرى . قالوا : وأما الثالثة : فإنه محا نفسه من أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فإنه يكون أمير الكافرين ، قلت : هل عندكم شيء غير هذا ؟ قالوا : حسبنا هذا ، قلت لهم : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله وحدثتكم من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يرد قولكم هذا ترجعون ؟ قالوا : اللهم نعم . قلت أما قولكم إنه حكم الرجال في دين الله فأنا أقرأ عليكم أن قد صير الله حكمه إلى الرجال في أرنب ثمنها ربع درهم ، قال تعالى { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } إلى قوله { يحكم به ذوا عدل منكم } . وقال في المرأة وزوجها { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } أنشدكم الله أحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وإصلاح ذات بينهم أحق أم في أرنب ثمنها ربع درهم ؟ قالوا اللهم بل في حقن دمائهم وإصلاح ذات بينهم ، قلت : أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم . قلت : وأما قولكم إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم أتسبون أمكم عائشة فتستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم ؟ [ ص: 102 ] لئن فعلتم لقد كفرتم . فإن قلتم ليست أمنا فقد كفرتم قال الله تعالى { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } فأنتم بين ضلالتين ، فأتوا منها بمخرج ، أخرجت من هذه الأخرى ؟ قالوا : اللهم نعم . قلت : وأما قولكم إنه محا نفسه من أمير المؤمنين { فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشا يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتابا فقال : اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ، فقالوا : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن اكتب محمد بن عبد الله ، فقال : والله إني لرسول الله وإن كذبتموني ، يا علي اكتب محمد بن عبد الله ، } فرسول الله صلى الله عليه وسلم خير من علي وقد محا نفسه ولم يكن محوه ذلك محوا من النبوة ، أخرجت من هذه الأخرى ؟ قالوا : اللهم نعم . فرجع منهم ألفان وبقي سائرهم فقتلوا على ضلالتهم قتلهم المهاجرون والأنصار .

وروى الحاكم أن عبد الله بن شداد استحكته عائشة عن الذين قتلهم علي فقال : لما كانت حرب معاوية وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس فنزلوا بأرض يقال لها حروراء من جانب الكوفة ، إلى أن قال : بعث علي إليهم عبد الله بن عباس فخرجت معه ، حتى إذا توسطنا عسكرهم قام ابن الكواء خطيبا فقال : يا حملة القرآن هذا عبد الله بن عباس ، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله ما يعرفه به ، هذا ممن نزل فيه وفي قومه { بل هم قوم خصمون } فردوه إلى صاحبه ولا تواضعوه كتاب الله ، فقام خطباؤهم وقالوا والله لنواضعنه ، فواضعهم عبد الله بن عباس الكتاب وواضعوه ثلاثة أيام ، فرجع منهم أربعة آلاف فيهم ابن الكواء حتى أدخلهم الكوفة على علي إلى آخر الحديث . وقال : على شرط البخاري ومسلم .




الخدمات العلمية