الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 34 ] قال : ( ومن أحيا أرضا مواتا فهي عند أبي يوسف معتبرة بحيزها ، فإن كانت من حيز أرض الخراج ) ومعناه بقربه ( فهي خراجية ) ، وإن كانت من حيز أرض العشر فهي عشرية [ ص: 35 ] ( والبصرة عنده عشرية ) بإجماع الصحابة ; لأن حيز الشيء يعطى له حكمه ، كفناء الدار يعطى له حكم الدار حتى يجوز لصاحبها الانتفاع به . وكذا لا يجوز أخذ ما قرب من العامر ، وكان القياس في البصرة أن تكون خراجية ; لأنها من حيز أرض الخراج ، إلا أن الصحابة وظفوا عليها العشر فترك القياس لإجماعهم ( وقال محمد : إن أحياها ببئر حفرها أو بعين استخرجها أو ماء دجلة أو الفرات أو الأنهار العظام التي لا يملكها أحد فهي عشرية ) وكذا إن أحياها بماء السماء ( وإن أحياها بماء الأنهار التي احتفرها الأعاجم ) مثل نهر الملك ونهر يزدجرد ( فهي خراجية ) لما ذكرنا من اعتبار الماء إذ هو السبب للنماء ولأنه لا يمكن توظيف الخراج ابتداء على المسلم كرها فيعتبر في ذلك الماء ; لأن السقي بماء الخراج دلالة التزامه .

التالي السابق


( وعند أبي يوسف تعتبر بحيزها ) أي بما يقرب منها ( فإن كانت من حيز أرض الخراج : أي بقربه فخراجية أو أرض العشر فعشرية ) ; لأن القرب من أسباب [ ص: 35 ] الترجيح فترجح كونها خراجية بالقرب من أرض الخراج وعشرية كذلك ، وأصله أفنية الدور أعطي له في الشرع حكمها حتى جاز لصاحب الدار الانتفاع بفنائها وهو غير مملوك له ، ومن أجل أن له حق الانتفاع لو قال المستأجر للأجراء هذا فنائي وليس لي فيه حق الحفر ولكن احفروا فحفروا فلا ضمان عليهم في الاستحسان ، بل على المستأجر ; لأن كونه فناء بمنزلة كونه مملوكا في انطلاق يده في التصرف من إلقاء الطين والحفر وربط الدابة ، غير أن أبا يوسف استثنى البصرة من ضابطه فإنها عشرية عنده ، وإن كانت من حيز أرض الخراج ; لإجماع الصحابة على جعلها عشرية كما ذكره أبو عمر بن عبد البر وغيره فترك القياس فيها لذلك .

هذا وقد ظهر من قوله ولأنه لا يمكن توظيف الخراج على المسلم إلى آخره أن المراد بموضوع المسألة : أعني قوله ومن أحيا أرضا مواتا لمسلم ، ولا بد من ذلك ; لأنه لو أحياها ذمي كانت خراجية سواء سقيت عند محمد بماء السماء أو نحوه أو لا ، وسواء كانت عند أبي يوسف من حيز أرض الخراج أو العشر ، وظهر منه أيضا أن كون المسلم لا يبتدأ بتوظيف الخراج كما ذكره محمد في الزيادات هو فيما إذا لم يكن منه صنع يستدعي ذلك وهو السقي بماء الخراج ، وهذا ; لأن الخراج جزاء المقاتلة على حمايتهم فما سقي بما حموه وجب فيه .




الخدمات العلمية