الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 441 ] قال ( ومن باع عبدا على أن يعتقه المشتري أو يدبره أو يكاتبه أو أمة على أن يستولدها فالبيع فاسد ) ; لأن هذا بيع وشرط وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط [ ص: 442 ] ثم جملة المذهب فيه أن يقال : كل شرط يقتضيه العقد كشرط الملك للمشتري لا يفسد العقد لثبوته بدون الشرط ، وكل شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين أو للمعقود عليه وهو من أهل الاستحقاق يفسده كشرط أن لا يبيع المشتري العبد المبيع ; لأن فيه زيادة عارية عن العوض فيؤدي إلى الربا ، أو ; لأنه يقع بسببه المنازعة فيعرى العقد عن مقصوده إلا أن يكون متعارفا ; لأن العرف قاض على القياس ، ولو كان لا يقتضيه العقد ولا منفعة فيه لأحد لا يفسده [ ص: 443 ] وهو الظاهر من المذهب كشرط أن لا يبيع المشتري الدابة المبيعة [ ص: 444 ] لأنه انعدمت المطالبة فلا يؤدي إلى الربا ، ولا إلى المنازعة .

إذا ثبت هذا فنقول : إن هذه الشروط لا يقتضيها العقد ; لأن قضيته الإطلاق في التصرف والتخيير لا الإلزام حتما ، والشرط يقتضي ذلك وفيه منفعة للمعقود عليه ، والشافعي رحمه الله وإن كان يخالفنا في العتق ويقيسه على بيع العبد نسمة فالحجة عليه ما ذكرناه ، وتفسير المبيع نسمة أن يباع ممن يعلم أنه يعتقه لا أن يشترط فيه ، [ ص: 445 ] فلو أعتقه المشتري بعدما اشتراه بشرط العتق صح البيع حتى يجب عليه الثمن عند أبي حنيفة رحمه الله ، وقالا : يبقى فاسدا حتى يجب عليه القيمة ; لأن البيع قد وقع فاسدا فلا ينقلب جائزا كما إذا تلف بوجه آخر . ولأبي حنيفة رحمه الله أن شرط العتق من حيث ذاته لا يلائم العقد على ما ذكرناه ، ولكن من حيث حكمه يلائمه ; لأنه منه للملك والشيء بانتهائه يتقرر ، ولهذا لا يمنع العتق الرجوع بنقصان العيب ، فإذا تلف من وجه آخر لم تتحقق الملاءمة فيتقرر الفساد ، وإذا وجد العتق تحققت الملاءمة فيرجح جانب الجواز فكان الحال قبل ذلك موقوفا [ ص: 446 ] قال ( وكذلك لو باع عبدا على أن يستخدمه البائع شهرا أو دارا على أن يسكنها أو على أن يقرضه المشتري درهما أو على أن يهدي له هدية ) ; لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين ; ولأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع وسلف ; ولأنه لو كان الخدمة والسكنى يقابلهما شيء من الثمن يكون إجارة في بيع ، ولو كان لا يقابلهما يكون إعارة في بيع .

{ وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن صفقتين في صفقة }

التالي السابق


( قوله ومن باع عبدا على أن يعتقه المشتري أو يدبره أو يكاتبه أو أمة على أن يستولدها فالبيع فاسد لأن هذا بيع وشرط وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط ) قال الطبراني في معجمه الوسط : حدثنا عبد الله بن أيوب المقري ، حدثنا محمد بن سليمان الذهلي ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال : قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة ، فسألت أبا حنيفة عن رجل باع بيعا وشرط شرطا فقال : البيع باطل والشرط باطل ، ثم أتيت ابن أبي ليلى فسألته فقال : البيع جائز والشرط باطل ، ثم أتيت ابن شبرمة فسألته فقال : البيع جائز والشرط جائز ، فقلت : يا سبحان الله ثلاثة من فقهاء العراق اختلفوا في مسألة واحدة ؟ فأتيت أبا حنيفة فأخبرته فقال : لا أدري ما قالا . حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه نهى عن بيع وشرط } البيع باطل والشرط باطل . ثم أتيت ابن أبي ليلى فأخبرته فقال : ما أدري ما قالا . حدثني همام بن عروة عن أبيه عن { عائشة رضي الله عنها قالت : أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أشتري بريرة فأعتقها } البيع جائز والشرط باطل . ثم أتيت ابن شبرمة فأخبرته فقال : ما أدري ما قالا . حدثني مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر رضي الله عنه قال : { بعت من النبي صلى الله عليه وسلم ناقة وشرط لي حملانها إلى المدينة } البيع جائز والشرط جائز .

وكذا رواه الحاكم في كتاب علوم الحديث .

ومن جهة الحاكم ذكره عبد الحق في أحكامه وسكت عليه ; وقد ظهر من هذا أن في المسألة ثلاثة مذاهب مستدل عليها فلا بد من النظر فيها فأما حديث عمرو بن شعيب فلا يحتمل إلا التخصيص فحمله الشافعي رحمه الله عليه ، واستثنى من منع البيع مع الشرط البيع بشرط العتق بحديث بريرة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما رد في حديثها إلا الولاء .

وذكر الأقطع أنها رواية عن أبي حنيفة رضي الله عنه ، وحديثها في الصحيحين عن { عائشة رضي الله عنها قالت جاءتني بريرة فقالت : كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني ، فقلت : إن أحب أهلك أن أعيدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت ، فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها ، فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت : إني عرضت عليهم ذلك فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم ، فأخبرت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإن الولاء لمن أعتق ، ففعلت عائشة } الحديث . وفيه دليل على جواز بيع المكاتب إذا رضي بالبيع ، وفيه إبطال قول من منع [ ص: 442 ] بيعه .

وقال : إنما اشترطت عائشة الولاء بسبب ما وقع في بعض الروايات وهو : إن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ، وذلك ; لأنه صلى الله عليه وسلم قال { إنما الولاء لمن أعتق } ورد اشتراطهم الولاء لأنفسهم والعتق من عائشة رضي الله عنها ، وهذا لا خلاف فيه . ولو قال قائل : إن الشرط إذا كان أمرا لا يحل شرعا مثل أن يشترط أن لا يقع عتقك إذا أعتقته يبطل هو دون البيع فإنه لغو لا يمكن المشروط عليه أن يفعله فيتم البيع كأنه لم يذكر إذا كان خارجا عن طاقة من شرط عليه أمكن ويكون أصل هذا حديث بريرة .

وأما الحنفية فإنما لم يخصوه به لأن العام عندهم يعارض الخاص ويطلب معه أسباب الترجيح ، والمرجح هنا للعام وهو نهيه عن بيع وشرط وهو كونه مانعا . وحديث بريرة مبيح فيحمل على ما قبل النهي ; لأن القاعدة الأصولية أن ما فيه الإباحة منسوخ بما فيه النهي .

وأما حديث جابر الذي استدل به ابن شبرمة فالشرط وهو استثناء حملانه لم يقع في صلب العقد ، كذا قاله الشافعي رحمه الله ، ونحن كذلك نقول مع الوجه الذي ذكرناه من تقديم العام . فإن قلت : كيف قال الشافعي بإفساد البيع بالشرط مع أن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده من قبيل المرسل عند كثير من أهل الحديث ؟ قلت : ذلك إذا لم يصرح فيه بجد أبيه عبد الله بن عمرو بن العاص ، وقد ورد عنه التصريح به فيما أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ، ولا بيع ما ليس عندك } ولهذا قال الترمذي : حديث حسن صحيح .

وروى هذا أيضا من حديث حكيم بن حزام في موطإ مالك بلاغا . وأخرجه الطبراني من حديث محمد بن سيرين عن حكيم قال : { نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع خصال في البيع : عن سلف وبيع ، وشرطين في بيع ، وبيع ما ليس عندك ، وربح ما لم يضمن } ومعنى السلف في البيع : البيع بشرط أن يقرضه دراهم وهو فرد من البيع الذي شرط فيه منفعة لأحد المتعاقدين وغير ذلك مما سيأتي ( قوله ثم جملة الأمر فيه ) أي في الشرط ( أنه إما أن يقتضيه العقد ) كشرط أن يحبس المبيع إلى قبض الثمن ونحوه فيجوز ; لأنه مؤكد لموجب العقد أو لا يقتضيه ، لكن [ ص: 443 ] ثبت تصحيحه شرعا بما لا مرد له كشرط الأجل في الثمن والمثمن في السلم وشرط في الخيار فكذلك هو صحيح للإجماع على ثبوته شرعا رخصة أو لا يقتضيه وليس مما ثبت كذلك لكنه متعارف كشراء نعل على أن يحذوها البائع أو يشركها فهو جائز أيضا لما سيأتي ، وكذا إذا لم يكن كذلك ولكن يتضمن التوثق بالثمن كالبيع بشرط كفيل بالثمن حاضر ، وقبل الكفالة ، أو بأن يرهنه به رهنا معلوما بالإشارة أو التسمية فهو جائز أيضا على الصحيح خلافا لزفر ، فإن حاصله التوثق للثمن فيكون كاشتراط الجودة فيه فهو مقرر لمقتضى العقد ولو لم يكن الكفيل حاضرا فحضر وقبل قبل أن يتفرقا جاز ، فلو بعده أو كان حاضرا فلم يقبل لم يجز ولو لم يكن الرهن مسمى ولا مشارا إليه لا يجوز بالاتفاق ; لأن وجوب الثمن في ذمة الكفيل يضاف إلى البيع فيصير الكفيل كالمشتري فلا بد من حضوره العقد .

بخلاف الرهن لا يشترط حضرته ، لكن ما لم يسلم للبائع لا يثبت فيه حكم الرهن وإن انعقد عقد الرهن بذلك الكلام ، فإن سلم مضى العقد على ما عقدا ، وإن امتنع عن تسليمه لا يجبر عندنا بل يؤمر بدفع الثمن ، فإن لم يدفع الرهن ولا الثمن خير البائع في الفسخ ، وشرط الحوالة كالكفالة ; ولو كان الشرط مما لا يقتضيه وليس مما ذكرنا ، فأما ما فيه منفعة لأحد المتعاقدين أو المعقود عليه وهو من أهل الاستحقاق ، كأن اشترى حنطة على أن يطحنها البائع أو يتركها في داره شهرا أو ثوبا على أن يخيطه فالبيع فاسد ، وكذا شرط أن لا يبيع المشتري العبد ; لأنه يعجبه أن لا تتداوله الأيدي ، وكذا على أن لا يخرجه من مكة مثلا .

وفي الخلاصة : اشترى عبدا على أن يبيعه جاز وعلى أن يبيعه من فلان لا يجوز : أي لا يجوز للبائع أن يشترط عليه البيع من فلان ; لأن للمبيع منفعة ولها مطالب من جهة العباد وهو العبد ; لأن له طالبا ، وكذا إذا كانت المنفعة لغير العاقدين .

ومنه إذا باع ساحة على أن يبني بها مسجدا أو طعاما على أن يتصدق به فهو فاسد . أما لو كان المبيع ثوبا أو حيوانا غير آدمي فقد خرج الجواز مما ذكرنا في المزارعة من أن أحد المزارعين إذا شرط في المزارعة أن لا يبيع الآخر نصيبه أو يهبه أن المزارعة جائزة والشرط باطل ; لأنه ليس لأحد العاملين فيه منفعة ، وكذا ذكر الحسن في المجرد . قال المصنف ( وهو الظاهر من المذهب ) ; لأنه إذا لم يكن من أهل الاستحقاق [ ص: 444 ] انعدمت المطالبة ) والمنازعة ( فلا يؤدي إلى الربا ) وما أبطل الشرط الذي فيه المنفعة البيع إلا ; لأنه يؤدي إليه ; لأنه زيادة عارية عن العوض في عقد البيع وهو معنى الربا . ومن مثل الباطل بيع العبد على أن يعتقه المشتري أو يكاتبه أو يدبره ، والشافعي يخالفنا في شرط العتق في أحد قوليه فيصححه . ثم إن أعتقه المشتري فذاك وإلا خير البائع في فسخ العقد ولا يجبر عليه في قول بعض أصحابه ، وفي قول آخرين يجبر ، قال المصنف ( ويقيسه ) الشافعي ( على بيع العبد نسمة ) ثم فسره ( بأن يبيعه ممن يعلم أنه يعتقه لا أن يشترط فيه ذلك ) وعلى تفسير المصنف هذا تتحقق صورة القياس .

وأما على تفسيره بأن يباع بشرط عتقه فلا يصح لأنه نفس المقيس عليه إلا أن قوله لا أن يشترط فيه يفهم من قوته أن تفسيره بما ذكر مخالف لتفسير الشافعي بذلك فنفاه ، وحينئذ يقوى الاعتراض عليه بأنه حينئذ لا قياس .

قال : ( والحجة عليه ما ذكرناه ) يعني من الحديث والمعنى ، وأنت علمت أنه يرجع إلى تخصيص العام بالخاص [ ص: 445 ] كيفما وجد وهو مذهبه ولهذا خصه بحديث بريرة . وجوابه أن ليس في حديث بريرة أصلا أن البيع كان بشرط العتق بل كان على وعد العتق منها ، وحينئذ فليس من تخصيص منع بيع بشرط في شيء ولا يصلح البيع ممن يظن عتقه أصلا لقياس البيع بشرط عتقه لعدم الجامع ، ونسمة منصوب على الحال بمعنى معرضا للعتق ، وعبر بالنسمة عنه لكثرة ذكرها فيما إذا أعتقت في مثل قوله صلى الله عليه وسلم {فك الرقبة وأعتق النسمة } فصيرت كالاسم لما عرض للعتق فعوملت معاملة الأسماء المتضمنة لمعنى الفعل ( قوله فلو أعتقه المشتري إلخ ) .

هذا فرع على قولنا بفساد البيع بشرط العتق وهو أن المشتري بهذا الشرط لو أعتقه بعدما قبضه عتق ، ثم عند أبي حنيفة رجع البيع صحيحا حتى يجب الثمن عنده ، وعندهما لا يعود صحيحا فتلزمه قيمته .

وأما لو أعتقه قبل القبض فلا يعتق بالإجماع ; لأنه لا يملكه قبل القبض لفساد البيع . وجه قولهما أنه تلف بعد أن ملكه بالقبض في بيع فاسد ( فلا ينقلب جائزا كما لو تلف بوجه آخر ) من موت أو قتل أو بيع أو هبة وقياسا على تدبيره واستيلادها فإن هناك الضمان بالقيمة اتفاقا فهو أوفى بالشرط اعتبارا لحقيقة الحرية بحق الحرية ( ولأبي حنيفة أن شرط العتق ) وإن كان ( لا يلائم العقد على ما ذكرناه ) يعني قوله ; لأن قضية العقد الإطلاق في التصرف والتخيير إلى آخره ( ولكنه من حيث حكمه ) وهو ثبوت الحرية ( يلائمه ; لأنه ) أي العتق ( منه للملك ) الذي هو أثر البيع ( والشيء بانتهائه يتقرر ) وجوده . والفاسد لا تقرر له فكان صحيحا ( ولهذا لا يمنع العتق الرجوع بنقصان العيب ) إذا اطلع عليه بعد أن أعتقه ، بخلاف ما إذا تلف بوجه آخر ; لأنه لا يصير به هذا الشرط ملائما فيبقى على مجرد جهته المفسدة ، ولذا لو مات لا ينقلب صحيحا ; لأن بموته لا يصير [ ص: 446 ] شرط العتق ملائما وهو المنظور إليه في إفساد العقد وتصحيحه ، وكون شيء آخر كالموت ونحوه ملائما لا يصير به هذا الشرط الذي وقع مفسدا ملائما .

وأما شرط التدبير والاستيلاد فكذلك لا يصير العقد صحيحا إذا دبره المشتري أو استولدها ; لأنه لا يصير به شرط التدبير والاستيلاد ملائما ; لأنه بتيقن امتناع ورود الملك عليه ولم يوجد لجواز أن يحكم قاض بصحة بيعهما فيتقرر الفساد . وأورد لما كان فعل هذا الشرط مصححا ينبغي أن يكون العقد صحيحا في الابتداء عند اشتراطه .

أجيب بأنه من حيث هو مخالف لمقتضى العقد وإنما يلائمه باعتبار حكمه فعلمنا في الابتداء قبل تحققه بمقتضى ذاته ، وعند تحقق حكمه بفعله بمقتضى حكمه . ولو اشترى أمة بشرط أن يطأها المشتري أو لا يطأها فالبيع فاسد عند أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف يجوز في الأولى لأنه ملائم للعقد . قلنا : الملائم له إطلاق الوطء لا إلزامه . وعند محمد يصح فيهما الأول لما لأبي يوسف ، والثاني إن لم يقتضه العقد ولا يرجع نفعه لأحد فهو شرط لا طالب له ( قوله وكذلك لو باع عبدا على أن يستخدمه البائع شهرا أو دارا على أن يسكنها أو على أن يقرضه المشتري دراهم أو على أن يهدي له هدية ) أو ثوبا على أن يقطعه المشتري قميصا أو قباء فهو فاسد ( لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين ) وقد ورد في عين بعضها نهي خاص وهو ( نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف ) أي قرض .

ثم خص شرطي الاستخدام والسكنى بوجه معنوي فقال : ( ولأنه لو كان الخدمة والسكنى يقابلهما شيء من الثمن ) بأن يعتبر المسمى ثمنا وبإزاء المبيع وبإزاء أجرة الخدمة والسكنى ( يكون إجارة في بيع ، ولو كان لا يقابلهما يكون إعارة في بيع . وقد { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة } )

فيتناول كلا من الاعتبارين المذكورين . رواه أحمد عن أسود بن عامر عن شريك عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة } أما ثبوته فقد رواه البزار في مسنده عن أسود بن عامر وأعل بعض طرقه ورجح وقفه ، وبالوقف رواه أبو نعيم وأبو عبيد القاسم بن سلام .

وأما معناه ففسره المصنف بما سمعت ، وفسره أبو عبيد القاسم بن سلام بأن يقول الرجل للرجل [ ص: 447 ] أبيعك هذا نقدا بكذا ونسيئة بكذا ويفترقان عليه انتهى . ورواية ابن حبان للحديث موقوفا { الصفقة في الصفقتين ربا } تؤيد تفسير المصنف مع أنه أقرب تبادرا من تفسير أبي عبيد وأكثر فائدة ، فإن كون الثمن على تقدير النقد ألفا وعلى تقدير النسيئة ألفين ليس في معنى الربا ، بخلاف اشتراط نحو السكنى والخدمة .

واعلم أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنه نهى عن بيعتين في بيعة } ويظهر من كلام بعض من يتكلم في الحديث ظن أنه معنى الأول وليس كذلك بل هذا أخص منه . فإنه في خصوص من الصفقات وهو البيع ، وفسره الشافعي بأن يقول أبيعك داري هذه بكذا على أن تبيعني غلامك بكذا ، فإذا وجب لي غلامك وجبت لك داري . وهذا حديث صحيح رواه الترمذي والنسائي ، وقال الترمذي : حسن صحيح ، ورواه مالك بلاغا .

وفي فتاوى الولوالجي : لو قال بعتك هذه الدار بألف على أن يقرضني فلان الأجنبي عشرة دراهم فقبل المشتري ذلك البيع لا يفسد البيع ; لأنه لا يلزم الأجنبي ; لأنه لو لزمه فإما بطريق الضمان عن المشتري أو بطريق الزيادة في الثمن .

لا وجه إلى الأول ; لأنه ليس في ذمة المشتري فكيف يتحملها الكفيل ، ولا إلى الثاني ; لأنه لم يقل على أني ضامن ، وإذا لم يلزم الأجنبي لا يفسد البيع ولا خيار للبائع ; لأنه لو ثبت إنما يثبت إذا لم يسلم له ما شرط في البيع على المشتري وقد سلم له ذلك . وفي الفتاوى الصغرى قال : بع عبدك من فلان على أن الثمن علي والعبد لفلان ، حكي عن أبي الحسن الكرخي أنه يجوز ، وهو خلاف ظاهر الرواية . واستبعده أبو بكر الجصاص . .



[ فروع ] باع أمة بشرط أن يطأها المشتري أو أن لا يطأها فسد البيع عند أبي حنيفة فيهما ; لما ذكر من أن مقتضى العقد الإطلاق وهذا تعيين أحد الجائزين . وعند أبي يوسف يفسد في الثاني لما قلنا ، ويصح الأول ; لأن العقد يقتضيه وعند محمد يصح فيهما .

ولو كان في الشرط ضرر كأن شرط أن يقرض أجنبيا لا يفسد العقد ، وذكر القدوري أنه يفسد ، ولو لم تكن فيه منفعة ولا مضرة كأن اشترى طعاما بشرط أن يأكله أو ثوبا بشرط أن يلبسه جاز .

وذكر الإمام قاضي خان العقود التي يتعلق تمامها بالقبول أقسام ثلاثة : قسم يبطل بالشرط الفاسد وجهالة البدل وهي مبادلة المال بالمال كالبيع والإجارة والقسمة والصلح عن دعوى المال . وقسم لا يبطل بالشرط الفاسد ولا جهالة البدل وهو معاوضة المال بما ليس بمال كالنكاح والخلع والصلح عن دم عمد . وقسم له شبه بالبيع والنكاح وهو الكتابة يبطلها جهالة البدل ولا يبطلها الشرط الفاسد .

وفي الخلاصة : التي تبطل بالشروط الفاسدة ولا يصح تعليقها بالشرط ثلاثة عشر : البيع ، والقسمة ، والإجارة ، والإجازة ، والرجعة ، والصلح عن مال ، والإبراء عن الدين ، وعزل الوكيل في رواية شرح الطحاوي ، وتعليق إيجاب الاعتكاف بالشروط ، والمزارعة ، والمعاملة ، والإقرار ، والوقف في رواية . وما لا يبطل بالشروط الفاسدة ستة وعشرون : الطلاق ، والخلع ، ولو بغير مال ، والعتق بمال وبلا مال ، والرهن ، والقرض ، والهبة ، والصدقة ، والوصاية ، والشركة ، والمضاربة ، والقضاء ، والإمارة ، والتحكيم بين اثنين عند محمد خلافا لأبي يوسف ، والكفالة ، والحوالة ، والوكالة ، والإقالة ، والنسب ، والكتابة ، وإذن العبد ، ودعوة الولد ، والصلح عن دم العمد ، والجراحة التي فيها القصاص حالا ومؤجلا ، وجناية الغصب ، الوديعة ، والعارية إذا ضمنها رجل وشرط فيها حوالة أو كفالة ، وعقد الذمة ، وتعليق الرد بالعيب ، وتعليق الرد بخيار الشرط ، وعزل القاضي .

والنكاح لا يصح تعليقه ولا إضافته [ ص: 448 ] لكن لا يبطل بالشرط ويبطل الشرط ، وكذا الحجر على المأذون لا يبطل الحجر ويبطل الشرط ، وكذا الهبة والصدقة والكفالة بالشرط المتعارف تصح هي والشرط ، وبغير المتعارف يبطل وتصح الكفالة انتهى .

فالحاصل أن كل ما كان من قبيل التمليكات أو التقييدات لا يصح تعليقه ; فمن الأول الإقرار والإبراء ، ومن الثاني عزل الوكيل والحجر على العبد والرجعة والتحكيم عند أبي يوسف من قبيل التمليكات فلا يتعلق . وعند محمد يتعلق ; لأنه من إطلاق الولاية كالقضاء والإذن والإيصاء والوكالة ، وإن جعل الوكالة في شرح الطحاوي من قبيل التمليكات بل هي بالولايات أشبه




الخدمات العلمية