الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                7343 ص: وقد روى هذا الحديث صالح بن كيسان ، عن نافع بن جبير بلفظ غير هذا اللفظ.

                                                حدثنا فهد ، قال: ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال: ثنا عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن صالح بن كيسان ، عن نافع بن جبير ، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ليس للأب مع الثيب أمر، والبكر تستأمر، وإذنها صماتها". .

                                                فهذا معناه ومعنى الأول سواء، والبكر المذكورة في هذا الحديث هي البكر ذات الأب، كما الثيب المذكورة فيه كذلك، فهذا ما روي لنا في هذا الباب عن ابن عباس، عن النبي -عليه السلام-.

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بهذا الحديث إلى حديث ابن عباس المذكور.

                                                أخرجه بإسناد صحيح عن فهد بن سليمان ...إلى آخره.

                                                وأخرجه أبو داود: عن الحسن بن علي ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن صالح ، عن نافع ، عن ابن عباس .

                                                وأخرجه النسائي: عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ...إلى آخره.

                                                وأخرجه البيهقي: من حديث ابن المبارك ، عن معمر، نحو رواية الطحاوي، ثم قال: قال الدارقطني وغيره: أخطأ فيه معمر، واستدل على خطئه برواية [ ص: 527 ] ابن إسحاق وسعيد بن سلمة ، عن صالح ، عن عبد الله بن الفضل ، عن نافع قال: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول الله -عليه السلام-: "الأيم أحق بنفسها من وليها، واليتيمة تستأذن في نفسها، وإذنها السكوت".

                                                وقال الدارقطني في "سننه": صالح لم يسمعه من نافع بن جبير، وإنما سمعه من عبد الله بن الفضل عنه، اتفق على ذلك ابن إسحاق وسعيد بن سلمة ، عن صالح .

                                                قلت: سماع صالح بن كيسان عن نافع بن جبير صحيح، ذكره صاحب "الكمال" وغيره، ومعمر بن راشد ثقة جليل حتى قيل: إنه أثبت في الزهري من ابن عيينة، فلا يستدل على خطئه برواية من هو دونه.

                                                ثم اعلم أن قوله -عليه السلام-: "البكر تستأمر" صريح في أن الأب لا يجبر البكر البالغة، ويدل عليه أيضا حديث جرير ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس، المذكور فيما مضى.

                                                وترك الشافعي منطوق هذه الأدلة واستدل بمفهوم حديث الثيب أحق بنفسها، وقال: هذا يدل على أن البكر بخلافها، وقال ابن رشد: العموم أولى من المفهوم بلا خلاف؛ لاسيما وفي حديث مسلم: "البكر يستأمرها أبوها" وهو نص في موضع الخلاف.

                                                وقال ابن حزم: لا نعلم لمن أجاز على البكر البالغة إنكاح أبيها لها بغير رضاها متعلقا أصلا.

                                                وذهب ابن جرير الطبري أيضا إلى أن البكر البالغة لا تجبر، وأجاب عن حديث: "الأيم أحق بنفسها" بأن الأيم من لا زوج لها، رجلا كان أو امرأة، بكرا أو ثيبا، لقوله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم وكرر ذكر البكر [ ص: 528 ] بقوله: "والبكر تستأمر وإذنها صماتها" للفرق بين الإذنين: إذن الثيب، وإذن البكر، ومن أول الأيم بالثيب أخطأ في تأويله، وخالف سلف الأمة وخلفها في إجازتهم لوالد الصغيرة تزويجها بكرا كانت أو ثيبا من غير خلاف.

                                                وقال صاحب "التمهيد": قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والحسن بن حي وأبو ثور وأبو عبيد: لا يجوز للأب أن يزوج ابنته البالغة بكرا كانت أو ثيبا إلا بإذنها والأيم التي لا بعل لها وقد تكون إن بكرا أو ثيبا، لحديث: "الأيم أحق بنفسها" وحديث: "لا تنكح البكر حتى تستأذن" على عمومها، خص منها الصغيرة لعقد عائشة - رضي الله عنها -.

                                                فإن قيل: قال البيهقي: حديث ابن عباس: "يستأمرها أبوها" يبين أن الأمر إلى الأب في البكر، وقال الشافعي: زاد ابن عيينة في حديثه: "البكر يزوجها أبوها" والمؤامرة قد تكون على استطابة النفس؛ لأنه يروى أن النبي -عليه السلام- قال: "وأمروا النساء في بناتهن" ثم رواه من حديث معاوية بن هشام عن الثوري ، عن إسماعيل بن أمية، حدثني الثقة، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وأمروا النساء في بناتهن".

                                                قلت: "يزوجها أبوها" ليس في شيء من الحج المتداولة، ولم يذكر الشافعي سنده لننظر فيه، وحمل المؤامرة على استطابة النفس خروج عن الظاهر من غير دليل، بل قوله: "يستأمرها أبوها" خبر في معنى الأمر، وحديث: "لا تنكح البكر حتى تستأمر" يدل على ذلك، وكذا قوله -عليه السلام-: "إنكاح الأب" في حديث جرير بن حازم وغيره، ولو ساغ هذا التأويل لساغ في قوله -عليه السلام- في "الصحيح": "لا تنكح الثيب حتى تستأمر" وأما حديث: "وأمروا النساء في بناتهن" فليس بحجة عند أهل الحديث حتى يسمى الثقة الذي في سنده، ولو صح فقد عدل فيه عن الظاهر للإجماع، فلا يعدل عن الظاهر في غيره من الأحاديث.




                                                الخدمات العلمية