الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                7315 ص: وقد دل على ذلك أيضا ما قد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

                                                حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، قال: ثنا محمد بن إدريس ، عن سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا كفى أحدكم خادمه طعامه حره ودخانه ، فليجلسه فليأكل معه، فإن أبى فليأخذ لقمة فليروغها ثم ليطعمها إياه". .

                                                7316 حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا سعيد بن عامر ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، [ ص: 486 ] فإن لم يجلسه فليناوله أكلة أو أكلتين -أو قال-: لقمة أو لقمتين، فإنه ولي حره وعلاجه ودخانه".

                                                أفلا ترى أن رسول الله -عليه السلام- قد وسع على المولى أن يطعم عبده من طعامه -الذي قد ولي صنعته له عبده- لقمة ثم يستأثر هو بما بقي من الطعام بعد تلك اللقمة، فدل ذلك أن معنى ما أراد بقوله: "أطعموهم مما تأكلون" لم يرد به المساواة وكذلك معنى قوله: "واكسوهم مما تلبسون"، وأما ما فعل أبو اليسر فعلى الإشفاق منه والخوف لا على غير ذلك، وهذا الذي صححنا عليه هذه الآثار قول أبي حنيفة وأبي يوسف – رحمهم الله-.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وقد دل على ما ذكرنا من وجه التوفيق: حديث أبي هريرة أيضا، وأخرجه من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن إسماعيل بن يحيى المزني عن الشافعي ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي الزناد بالنون عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن أبي هريرة .

                                                وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا أحمد بن أبان وخلف بن خليفة، قالا: ثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كفى أحدكم خادمه صنيع طعامه، وكفاه حره ودخانه فليجلس معه، فإن أبى فليأخذ لقمة فليطعمها إياه".

                                                الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن سعيد بن عامر الضبعي ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد القرشي المدني ، عن أبي هريرة .

                                                وأخرجه مسلم بغير هذا الإسناد : ثنا القعنبي، قال: ثنا داود بن قيس ، عن موسى بن يسار ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "إذا صنع لأحدكم [ ص: 487 ] خادمه طعامه، ثم جاءه به وقد ولي حره ودخانه؛ فليقعده معه فليأكل، فإن كان الطعام مشفوها قليلا؛ فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين".

                                                قال داود: يعني لقمة أو لقمتين.

                                                قوله: "فليروغها" أي: فليشربها من دسم الطعام، ثم ليطعمها إياه، ومادته: راء مهملة، وواو، وغين معجمة.

                                                قال الهروي: يقال: روغ فلان طعامه ومرغه وسغبله، إذا رواه دسما.

                                                قوله: "أكلة" بضم الهمزة: اللقمة.

                                                قوله: "إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه" جواب إذا محذوف تقديره: إذا أتى أحدكم خادمه بطعام، فليجلسه معه فليناوله أكلة.

                                                والجملة الثانية انتصبت قريبة على الحذف؛ فافهم.

                                                قوله: "أفلا ترى...إلى آخره" توضيح للمعنى الذي ذكره فيما سبق.

                                                قوله: "ثم يستأثر هو" أي: يخص نفسه بما بقي من الطعام بعد اللقمة التي تناولها منه عبده.

                                                قوله: "وأما ما فعل أبو اليسر" جواب عن قوله: "وبما رويناه من مذهب أبي اليسر"؛ فافهم، والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية