الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6541 ص: حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا علي بن معبد ، ويحيى بن عبد الحميد، قالا: ثنا أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي ، عن سماك بن حرب ، عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه ، عن أبي بردة بن نيار، قال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إني كنت نهيتكم عن الشرب في الأوعية، فاشربوا فيما بدا لكم ولا تسكروا" .

                                                التالي السابق


                                                ش: من جملة ما يدل على انتساخ الآثار المتقدمة: ما روي عن أبي بردة هانئ بن نيار .

                                                [ ص: 160 ] أخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن علي بن معبد بن شداد ويحيى بن عبد الحميد، كلاهما عن أبي الأحوص ...إلى آخره. وكل هؤلاء ثقات.

                                                وأخرجه الدارقطني: ثنا أبو القاسم بن زكرياء المحاربي، ثنا عبد الأعلى بن واصل، ثنا أبو غسان، نا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه، عن أبي بردة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اشربوا في المزفت ولا تسكروا".

                                                قال الدارقطني: وهم فيه أبو الأحوص في متنه وإسناده، وقال غيره: عن سماك ، عن القاسم ، عن ابن بريدة ، عن أبيه: "لا تشربوا مسكرا".

                                                حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق، ثنا يحيى بن عبد الباقي، نا لوين، ثنا محمد بن جابر ، عن سماك ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن ابن بريدة ، عن أبيه، عن النبي -عليه السلام- قال: "نهيتكم عن الظروف، فاشربوا فيما شئتم ولا تسكروا".

                                                رواه غيره عن محمد بن جابر فقال: "ولا تشربوا مسكرا" قال ذلك يحيى بن يحيى النيسابوري -وهو إمام- عن محمد بن جابر .

                                                حدثنا به علي بن أحمد بن الهيثم، ثنا أحمد بن إبراهيم القوهستاني، ثنا يحيى بن يحيى، ثنا محمد بن جابر ، عن سماك ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن ابن بريدة ، عن أبيه، عن النبي -عليه السلام- قال: "كنا نهيناكم عن الشرب في الأوعية فاشربوا في أي سقاء شئتم ولا تشربوا مسكرا". وهذا هو الصواب.

                                                وقال ابن أبي حاتم في كتاب "العلل": سألته -يعني أبا زرعة- عن [ ص: 161 ] حديث الأحوص ، عن سماك ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه، عن أبي بردة يرفعه: "اشربوا في الظروف ولا تسكروا". فقال: وهم أبو الأحوص. فقال: عن سماك ، عن القاسم ، عن أبيه، عن أبي بردة؛ قلب في الإسناد موضعا، وصحف في موضع:

                                                أما القلب فقوله: عن أبي بردة وإنما هو ابن بريدة ، عن أبيه ثم احتاج أن يقول: ابن بريدة عن أبيه؛ فقلب الإسناد بأسره وأفحش في الخطأ.

                                                وأفحش من ذلك وأشنع تصحيفه في متنه "اشربوا في الظروف ولا تسكروا" وقد روى الحديث عن ابن بريدة أبو سنان ضرار بن مرة وزبيد اليامي ومحارب بن دثار وسماك والمغيرة بن سبيع وعلقمة بن مرثد والزبير بن عدي وعطاء الخراساني ، وسلمة بن كهيل. كلهم عن ابن بريدة ، عن أبيه، عن سيدنا رسول الله -عليه السلام-: "نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الأسقية، ولا تشربوا مسكرا".

                                                وفي حديث بعضهم: "واجتنبوا كل مسكر" ولم يقل أحد منهم: "ولا تسكروا". فقد بان وهم حديث أبي الأحوص من اتفاق هؤلاء المسمين على ما ذكرنا من خلافه.

                                                وقال أبو زرعة: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إن حديث أبي الأحوص خطأ في الإسناد والكلام.

                                                فأما الإسناد فإن شريكا وأيوب ومحمد بن جابر رووه عن سماك ، عن القاسم ، عن ابن بريدة ، عن أبيه، عن النبي -عليه السلام- كما رواه الناس: "فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرا".

                                                قال أبو زرعة: وكذا أقول.

                                                وقال ابن أبي عاصم: لا اختلاف فيه أنه خطأ، وهم فيه أبو الأحوص، وقد [ ص: 162 ] رواه شريك ، عن سماك ، عن القاسم ، عن ابن بريدة ، عن أبيه فقال: "اجتنبوا ما أسكر، وكل مسكر حرام".

                                                وقال الأثرم: هذا الحديث له علل بينة، وقد طعن فيه أهل العلم قديما، فبلغني أن شعبة طعن فيه، وسمعت أبا عبد الله يذكر أن هذا الحديث إنما رواه سماك عن القاسم ، عن ابن بريدة ، عن أبيه مرفوعا "نهيتكم عن ثلاث...." الحديث.

                                                قال: فدرس كتاب أبي الأحوص، فلقنوه الإسناد والكلام فقلب الإسناد والكلام، ولم يكن أبو الأحوص يقول: أبو بردة بن نيار. كان يقول: أبو برزة وإنما هو ابن بريدة، فلقنوه أبا بردة بن نيار فقاله.

                                                وقال صاحب "الاستذكار": هذه اللفظة -يعني: ولا تسكروا- إنما رواها شريك وحده، والذي روى غيره: "ولا تشربوا مسكرا".

                                                قلت: هذا التشنيع كله لأجل هذه اللفظة وهي قوله: "لا تسكروا"؛ وذلك لكونها حجة للحنفية في قولهم: إن ما لا يسكر من النبيذ مباح وإنما الحرام هو السكر لا غير.

                                                وأبو الأحوص ثقة ثبت متقن فرد حديثه بهذا الوجه غير موجه.




                                                الخدمات العلمية