الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                7317 ص: وكان حديث يونس الذي قد بدأنا بذكره في أول هذا الباب قد يجوز أن يكون رسول الله -عليه السلام- أراد بذلك الشعر الذي نهى عنه أن ينشد في المسجد، هو الشعر الذي كانت قريش تهجوه به.

                                                ويجوز أن يكون من الشعر الذي تؤبن فيه النساء وترزأ فيه الأموات، على ما قد ذكرناه في باب "رواية الشعر" من جواب الأنصاري من أصحاب رسول الله -عليه السلام- لابن الزبير بذلك حين أنكر عليهم إنشاد الشعر حول الكعبة. .

                                                وقد يجوز أن يكون أراد بذلك: الشعر الذي يغلب على المسجد حين يكون كل من فيه -أو كثر من فيه- متشاغلا بذلك، كمثل ما تأول عليه ابن عائشة 5 وأبو عبيد قول رسول الله -عليه السلام-: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا" على ما قد ذكرنا ذلك عنهما في غير هذا الموضع.

                                                فيكون الشعر المنهي عنه في هذا الحديث هو خاص من الشعر، وهو الذي فيه معنى من هذه المعاني الثلاثة التي ذكرنا؛ حتى لا يضاد ذلك ما قد رويناه عن رسول الله -عليه السلام- من إباحة ذلك، وما عمل به أصحابه من بعده.

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بذلك إلى وجه التوفيق بين الحديث الذي احتجت به أهل المقالة الأولى، وهو حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده.

                                                وبين الحديث الذي احتجت به أهل المقالة الثانية لوجود التعارض بينهما ظاهرا، وبين ذلك من ثلاثة أوجه: [ ص: 493 ] الأول: هو قوله: "قد يجوز أن يكون رسول الله -عليه السلام- أراد بذلك الشعر الذي نهى عنه...." إلى آخره.

                                                والثاني: هو قوله: "ويجوز أن يكون من الشعر الذي تؤبن فيه النساء" من: أبنه يأبنه إذا رماه بخلة سوء.

                                                قوله: "وترزأ" أي: تنتقص فيه الأموات ويعابون فيه، من الرزأ، والازدراء هو الاحتقار والانتقاص، ومادته زاي معجمة ثم راء ثم همزة، وفي بعض النسخ: وبذر فيه الأموال.

                                                قوله: "من جواب الأنصاري من أصحاب رسول الله -عليه السلام-" أراد به ما ذكره في باب "رواية الشعر": عن سليمان بن شعيب ، عن يحيى بن حسان ، عن إبراهيم بن سليمان التيمي ، عن مجالد بن سعيد ، عن الشعبي قال: " كنا جلوسا بفناء الكعبة -أحسبه قال-: مع ناس من أصحاب رسول الله -عليه السلام- فكانوا يتناشدون الأشعار ، فوقف بنا عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - فقال: في حرم الله وحول كعبة الله تتناشدون الأشعار؟! فقال رجل منهم: يا ابن الزبير، إن رسول الله -عليه السلام- إنما نهى عن الشعر إذا أبنت فيه النساء وتزدرى فيه الأموات".

                                                وأخرجه البيهقي نحوه، وفي روايته: "وبذر فيه الأموال".

                                                والثالث: هو قوله: "وقد يجوز أن يكون أراد بذلك الشعر الذي يغلب على المسجد...." إلى آخره.

                                                قوله: "كمثل ما تأول عليه ابن عائشة وأبو عبيد" أراد بابن عائشة عبيد الله بن محمد بن حفص التيمي، شيخ أبي داود، وأراد بأبي عبيد: القاسم بن سلام [....] صاحب التصانيف المشهورات، أنهما أولا قوله -عليه السلام-: "لأن يمتلئ جوف أحدكم...." الحديث، على [....] من الشعر بحيث لا يكون فيه قرآن ولا تسبيح ولا غيره؛ فإن هذا هو الداخل في قوله -عليه السلام-، وأما ما [....]

                                                [ ص: 494 ] القرآن والشعر مع ذلك فليس ممن امتلأ جوفه شعرا، فهو خارج من قوله -عليه السلام-: "لأن يمتلئ جوف...." الحديث.

                                                قال الطحاوي في باب "رواية الشعر": سمعت ابن أبي عمران أيضا وعلي بن عبد العزيز يذكران ذلك عن أبي عبيد. والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية