الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                7411 [ ص: 232 ] ص: وأما ما احتجوا به من مذهب ابن عباس - رضي الله عنهما - في ذلك، فإنه قد خالفه فيه سائر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواه، فمما روي عنهم في ذلك:

                                                ما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عمرو بن خالد ، قال: ثنا ابن لهيعة ، عن عقيل ، أنه سمع ابن شهاب يخبر، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن زيد بن ثابت: " ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قسم الميراث بين الابنة والأخت نصفين". .

                                                7412 حدثنا علي بن زيد الفرائضي ، قال: ثنا عبدة بن سليمان ، قال: أنا ابن المبارك ، قال: أنا يحيى بن أيوب ، قال: أنا يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: " ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قسم المال شطرين ، بين الابنة والأخت".

                                                7413 حدثنا علي ، قال: ثنا عبدة ، قال: أنا ابن المبارك ، قال: أنا إسرائيل ، عن جابر ، عن الشعبي ، عن علي وعبد الله - رضي الله عنه -: " في ابنة وأخت: للابنة النصف وللأخت النصف. وقال أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك إلا ابن عباس ، وابن الزبير - رضي الله عنهم -.

                                                7414 حدثنا علي بن شيبة ، قال: ثنا يزيد بن هارون ، وأبو نعيم، قالا: ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن مسروق ، عن عبد الله: " ، في ابنة وأخت وجد، قال: من أربعة". .

                                                7415 حدثنا ابن مرزوق ، قال: ثنا أبو داود ، قال: ثنا شعبة ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، قال: سمعت الأسود بن يزيد يقول: " قضى فينا معاذ - رضي الله عنه - باليمن في رجل ترك ابنته وأخته، فأعطى الابنة النصف، وأعطى الأخت النصف"

                                                7416 قال شعبة: : وأخبرني الأعمش ، قال: سمعت إبراهيم يحدث، عن الأسود قال: " قضى فينا معاذ باليمن ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي...." فذكر مثله.

                                                7417 حدثنا علي بن شيبة ، قال: ثنا يزيد بن هارون ، قال: أنا سفيان الثوري ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن الأسود بن يزيد ، قال: "قضى ابن الزبير - رضي الله عنهما - في ابنة وأخت، فأعطى الابنة النصف وأعطى العصبة سائر المال، فقلت له: إن معاذا - رضي الله عنه - قضى فينا باليمن، فأعطى الابنة النصف وأعطى الأخت النصف، فقال عبد الله [ ص: 233 ] ابن الزبير: : فأنت رسول إلى عبد الله بن عتبة فتحدثه بهذا الحديث، وكان قاضي أهل الكوفة".

                                                فهذا عبد الله بن الزبير قد رجع عن قوله الذي وافق فيه ابن عباس ، - رضي الله عنهم - في هذا إلى قول الآخرين.

                                                7418 حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، وروح بن الفرج ، قالا: ثنا يوسف بن عدي ، قال: ثنا أبو الأحوص ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن الأسود بن يزيد قال: "قدم معاذ - رضي الله عنه - إلى اليمن، فسئل عن ابنة وأخت، فأعطى الابنة النصف، والأخت النصف". .

                                                7419 حدثنا علي بن شيبة ، قال: ثنا يزيد بن هارون ، قال: أنا سفيان الثوري ، عن معبد بن خالد ، عن مسروق ، عن عائشة - رضي الله عنها - في ابنتين وبنات ابن وبني ابن، وفي أختين لأب وأم، وإخوة وأخوات لأب، أنها أشركت بين بنات الابن وبني الابن، وبين الإخوة والأخوات من الأب فيما بقي.

                                                قال: وكان عبد الله لا يشرك بينهم".

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا جواب ما احتج به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه من مذهب ابن عباس، بيانه أن يقال إن ابن عباس - رضي الله عنهما - وإن كان روى غير ما احتجوا به، فقد خالفه سائر أصحاب رسول الله -عليه السلام-، ذكر منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وعبد الله بن الزبير وأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنهم -.

                                                أما عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فأخرج عنه من طريقين.

                                                الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن عمرو بن خالد الحراني شيخ البخاري ، عن عبد الله بن لهيعة المصري ، عن عقيل -بضم العين- بن خالد الأيلي ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف ، عن زيد بن ثابت الأنصاري الصحابي، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم -.

                                                [ ص: 234 ] الثاني: عن علي بن زيد الفرائضي نزيل طرسوس، عن عبدة بن سليمان المروزي نزيل المصيصة، عن عبد الله بن المبارك المروزي ، عن يحيى بن أيوب الغافقي المصري ، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري ، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا زيد بن حباب، قال: حدثني يحيى ابن أيوب المصري، قال: ثنا يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي سلمة: "أن عمر - رضي الله عنه - جعل المال بين الابنة والأخت نصفين".

                                                فإن قيل: الطريق الأول معلول بابن لهيعة، والطريق الثاني منقطع؛ لأن أبا سلمة لم يدرك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.

                                                قلت: كل واحدة من الطريقين تأيدت بالأخرى، والأولى بينت أن بين أبي سلمة وعمر بن الخطاب زيد بن ثابت الأنصاري ، وأبو سلمة سمع منه، على أن هذا من التوابع للروايات الأخرى.

                                                وأما علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فأخرج عنه، عن علي بن زيد الفرائضي أيضا، عن عبدة بن سليمان ، عن عبد الله بن المبارك ، عن إسرائيل بن يونس ، عن جابر الجعفي ، عن عامر الشعبي ، عن علي بن أبي طالب .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر قال: "كان علي وابن مسعود ومعاذ - رضي الله عنهم - يقولون في ابنة وأخت: النصف والنصف، وهو قول أصحاب محمد -عليه السلام- إلا ابن الزبير وابن عباس - رضي الله عنهم -".

                                                وأما عبد الله بن مسعود فأخرج عنه بطريق صحيح، عن علي بن شيبة ، عن يزيد بن هارون ، وأبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري، كلاهما عن سفيان [ ص: 235 ] الثوري ، عن سليمان الأعمش ، عن إبراهيم النخعي ، عن مسروق بن الأجدع ، عن عبد الله بن مسعود .

                                                وأخرج ابن أبي شيبة: عن وكيع ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله: "في أخت وجد: النصف والنصف".

                                                وأخرج أيضا: عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله: "أنه قال في ابنة وأخت وجد: أعطى الابنة النصف، وجعل ما بقي بين الجد والأخت له نصف، ولها نصف".

                                                قلت: هذا تفسير لما في رواية الطحاوي من قوله: "من أربعة" وهو أن الصورة المذكورة يقسم الميراث بها من أربعة أسهم سهمان وهو النصف للبنت، والباقي -وهو سهمان- بين الأخت والجد، لكل واحد منهما سهم.

                                                وأما معاذ بن جبل - رضي الله عنه - فأخرج عنه من ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن أشعث بن أبي الشعثاء سليم المحاربي الكوفي ، عن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث أبي داود ، عن شعبة ، عن الأشعث ابن أبي الشعثاء، سمعت الأسود بن يزيد يقول: "قضى فينا معاذ - رضي الله عنه - باليمن في رجل ترك ابنته وأخته، فأعطى الابنة النصف، والأخت النصف".

                                                قال أبو داود: قال شعبة: وأخبرني الأعمش، سمعت إبراهيم يحدث، عن الأسود قال: "قضى فينا معاذ - رضي الله عنه - باليمن ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي في رجل ترك ابنته وأخته، فأعطى الابنة النصف والأخت النصف".

                                                [ ص: 236 ] قال والأول أصح وهو رواية غندر .

                                                وأخرجه البخاري: من حديث شيبان ، عن أشعث موقوفا.

                                                الثاني: عن ابن مرزوق ، عن أبي داود سليمان الطيالسي ، عن شعبة ، عن سليمان الأعمش ، عن إبراهيم النخعي ، عن الأسود بن يزيد ، عن معاذ - رضي الله عنه -.

                                                الثالث: عن صالح بن عبد الرحمن وروح بن الفرج القطان المصري، كلاهما عن يوسف بن عدي بن زريق شيخ البخاري ، عن أبي الأحوص سلام بن سليم الكوفي ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن الأسود بن يزيد .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن الأسود بن يزيد قال: "قضى معاذ - رضي الله عنه - باليمن في ابنة، وأخت لأب وأم: للأخت النصف، وللابنة النصف".

                                                وأما عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - فأخرج عنه من طريق صحيح، عن علي بن شيبة ، عن يزيد بن هارون ، عن سفيان الثوري ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن الأسود بن يزيد قال: "قضى عبد الله بن الزبير ....".

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث الثوري ، عن أشعث ...إلى آخره نحوه، وفي آخره: "وكان قاضيا على الكوفة".

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن وبرة بن عبد الرحمن ، عن الأسود قال: "كان ابن الزبير - رضي الله عنهما - لا يعطي للأخت مع الابنة شيئا، حتى حدثته أن معاذا - رضي الله عنه - قضى باليمن في ابنة وأخت لأب وأم: للابنة النصف وللأخت النصف، فقال: أنت رسولي إلى ابن عتبة، فمره بذلك".

                                                [ ص: 237 ] وهذا يدل على أن ابن الزبير - رضي الله عنهما - قد رجع عن قوله الذي يوافق قول ابن عباس في منع الأخت من الميراث مع البنت إلى أقوال سائر الصحابة - رضي الله عنهم -.

                                                وأشار إليه بقوله: "فهذا عبد الله بن الزبير قد رجع عن قوله الذي وافق فيه ابن عباس - رضي الله عنه - في هذا إلى قول الآخرين" أي إلى قول الجماعة الآخرين من الصحابة - رضي الله عنهم -.

                                                وعبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي هو ابن أخي عبد الله بن مسعود، أدرك زمان النبي -عليه السلام-، وهو والد عبيد الله بن عبد الله أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، وكان قاضيا على الكوفة لابن الزبير - رضي الله عنهم -.

                                                وأما عائشة - رضي الله عنها - فأخرج عنها من طريق صحيح، عن علي بن شيبة ، عن يزيد بن هارون الواسطي ، عن سفيان الثوري ، عن معبد بن خالد الجدلي القيسي ، عن مسروق بن الأجدع ، عن عائشة - رضي الله عنها -.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن معبد بن خالد ، عن مسروق ، عن ابن مسعود: "أنه كان يجعل للأخوات والبنات الثلثين، وجعل ما بقي للذكور دون الإناث، وأن عائشة - رضي الله عنها - أشركت بينهم، فجعلت ما بقي بعد الثلثين للذكر مثل حظ الأنثيين".

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث الثوري ، عن معبد بن خالد ، عن مسروق ، عن عائشة: "في ابنتين، وبنات ابن، وبني ابن، وأختين لأبوين، وإخوة وأخوات لأب: أنها أشركت بين بنات الابن وبني الابن، وبين الإخوة والأخوات لأب فيما بقي - يعني للذكر مثل حظ الأنثيين- قال: وكان عبد الله لا يشرك بينهم، يجعل ما بقي للذكور".




                                                الخدمات العلمية