الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : [ امتناع بعض الشركاء من القسمة في ما تدخله قسمة الإجبار ] .

                                                                                                                                            فأما ما تدخله قسمة الإجبار في الدور والأرضين إذا دعا بعض الشركاء إلى القسمة وامتنع بعضهم منها فهو على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن لا يستضر بالقسمة واحد منهم ، وينتفع بما حازه مقسوما ، كانتفاعه به [ ص: 251 ] مشتركا ، فيجاب طالب القسمة إليها ، ويجبر الممتنع عليها لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : ليتصرف على اختباره .

                                                                                                                                            والثاني : ليأمن اختلاط الأيدي وسواء المشاركة .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يستضر كل واحد منهم بالقسمة ، وكثرة السهام ، وذهاب منافعها بافتراق الجزاء وحصول منافعها باجتماعها ، فتصير كقسمة ما لا يدخله الإجبار من البئر والحمام والرحى والسيف ، فلا تقسم بينهما جبرا لدخول الضرر على جميعهم .

                                                                                                                                            ويكون القول في القسمة قول الممتنع منها وهو مذهب جمهور الفقهاء .

                                                                                                                                            وقال مالك : القول فيها قول طالب القسمة ، ويجبر الممتنع عليها مع دخول الضرار على الطالب والمطلوب ؛ لينفرد بملكه ويده

                                                                                                                                            ودليلنا : ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا ضرر ولا ضرار ومن ضار أضر الله ومن شاق شق الله عليه "

                                                                                                                                            وروي عنه عليه السلام أنه " نهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال "

                                                                                                                                            ولأن ما عم الضرر بقسمه سقط عنه الإجبار على القسمة كالجوهرة .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يستضر بالقسمة بعض الشركاء دون بعض . فقد اختلف الفقهاء في حكم الإجبار عليها على مذاهب .

                                                                                                                                            فقال مالك : يجبر عليها من امتنع منها .

                                                                                                                                            وقال أبو ثور : لا يجبر .

                                                                                                                                            وقال ابن أبي ليلى : يباع ويقسم الثمن بينهما .

                                                                                                                                            وعلى مذهب الشافعي وأبي حنيفة إن كان طالب القسمة منتفعا أجبر عليها الممتنع وإن استضر ؛ لما قدمناه من العلتين :

                                                                                                                                            إحداها : كمال تصرفه على اختياره

                                                                                                                                            والثاني : انفراد يده من سوء المشاركة .

                                                                                                                                            فأما إن كان طالب القسمة هو المستضر بها ، والمطلوب هو المنتفع بها فقد اختلف أصحابنا في إجابة الطالب إليها ، وإجبار المطلوب عليها ، على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يجبر على القسمة لانتفاء الضرر عن المطلوب .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يجبر عليها لدخول الضرر على طالبها .

                                                                                                                                            واختلف أصحابنا فيما يعتبر به دخول على وجهين :

                                                                                                                                            [ ص: 252 ] أحدهما : وهو قول أبي حنيفة والظاهر من مذهب الشافعي : أنه نقصان المنفعة ولا اعتبار بنقصان القيمة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يعتبر بكل واحد من نقصان المنفعة ، أو نقصان القيمة .

                                                                                                                                            وهو أشبه ؛ لأن في كل واحد منهما ضررا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية