بينة الجرح أولى من بينة التعديل .
مسألة : قال الشافعي : " وإن عدل رجل بشاهدين وجرح بآخرين كان الجرح أولى لأن التعديل على الظاهر والجرح على الباطن " .
قال الماوردي : وهذا صحيح : إذا كانت شهادة الجرح أولى من شهادة التعديل ، لأمرين : شهد بعدالة رجل شاهدان وشهد بجرحه شاهدان
أحدهما : هو ما علل به الشافعي أن الشهادة بالتعديل على الظاهر وبالجرح على الباطن ، والحكم بالباطن أقوى من الحكم بالظاهر ، وصار كمن شهد له شاهدان بالإسلام ، وشهد عليه شاهدان بالردة ، كانت الشهادة بالردة أولى من الشهادة بالإسلام ، لأن الإسلام ظاهر ، والردة باطنة ، وكمن شهد عليه شاهدان بألف وشهد له شاهدان بالقضاء ، كانت شهادة القضاء أولى ، لأنها تشهد بباطن .
والعلة الثانية : أن في الجرح إثباتا ، وفي التعديل نفيا ، والإثبات أولى من النفي ، [ ص: 191 ] كمن شهد له شاهدان بنكاح امرأة ، وشهد عليه اثنان بطلاقها ، كانت شهادة الطلاق أولى ، لما تضمنها من إثبات ما نفي بغيرها .
فلو شهد بالجرح اثنان وشهد بالتعديل ثلاثة أو أكثر كانت بينة الجرح أولى ، وإن كانت بينة التعديل أكثر ، لما قدمناه من العلتين .
ولكن لو شهد اثنان بجرحه . في سنة أو بلد ، ثم شهد اثنان بتعديله في سنة بعدها ، أو في بلد آخر ، انتقل إليه ، حكم بتعديله دون جرحه ، لأنه قد يتوب وينتقل من الفسق إلى العدالة ، ويهفو كثير من الناس ثم يستقيمون .