الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : القياس الخفي :

                                                                                                                                            وأما القياس الخفي : فهو ما خفي معناه فلم يعرف إلا بالاستدلال ويكون معناه في الفرع مساويا لمعنى الأصل .

                                                                                                                                            وهو على ثلاثة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : ما كان معناه لائحا .

                                                                                                                                            والثاني : ما كان معناه غامضا .

                                                                                                                                            والثالث : ما كان معناه مشتبها .

                                                                                                                                            فأما الضرب الأول : وهو ما كان معناه لائحا يعرف باستدلال متفق عليه فمثل قوله تعالى : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم [ النساء : 23 ] . فكانت عمات الآباء والأمهات في التحريم قياسا على العمات . وخالات الآباء والأمهات في التحريم قياسا على الخالات . لاشتراكهن في الرحم ، ومثله قوله تعالى في نفقة الولد في صغره : فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن [ الطلاق : 6 ] . فكانت نفقة الوالد عند عجزه في كبره قياسا على نفقة الولد لعجزه بصغره .

                                                                                                                                            والمعنى في هذا الضرب لائح لتردده بين الجلي والخفي وهو من ضروب الخفي بمنزلة الأول من ضروب الجلي

                                                                                                                                            ويجوز أن ينعقد الإجماع بمثله وينقض به حكم الحاكم إذا خالفه .

                                                                                                                                            وفي جواز تخصيص العموم به وجهان :

                                                                                                                                            والضرب الثاني : وهو ما كان معناه غامضا للاستدلال المختلف فيه فتقابلت

                                                                                                                                            [ ص: 148 ] معانيه حتى غمضت مثاله تعليل الربا في البر المنصوص عليه ، فتقابل فيه التعليل بالأكل ، ليقاس عليه كل مأكول ، والتعليل بالقوت ، ليقاس عليه كل مقتات ، والتعليل بالكيل ليقاس عليه كل مكيل ، ومثله النهي عن بيع الطعام حتى يقبض ، تقابل فيه التعليل بالطعم ، حتى يقاس عليه كل مطعوم ، والتعليل بالنقل ، ليقاس عليه كل منقول ، والتعليل بالبيع ليقاس عليه كل مبيع .

                                                                                                                                            فصار المعنى باختلافهم فيه غامضا والاستدلال به مترجحا .

                                                                                                                                            ومثل هذا الضرب لا ينعقد به إجماع ولا ينقض به حكم ولا يخص به عموم .

                                                                                                                                            وأما الضرب الثالث : وهو ما كان مشتبها ، فهو ما احتاج نصه ومعناه إلى استدلال : كالذي قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " : أن الخراج بالضمان فعرف الاستدلال : أن الخراج هو المنفعة وأن الضمان هو ضمان البيع ، ثم عرف معنى المنفعة بالاستدلال فتقابلت المعاني بالاختلاف فيها فمن معلل لها بأنها آثار . فلم يجعل المشتري إذا رد بالعيب مالكا للأعيان من الثمار والنتاج ، ومن معلل لها بأنها ما خالفت أجناس أصولها ، فجعله مالكا للثمار ولم يجعله مالكا للنتاج ، وعللها الشافعي بأنها نماء ، فجعله مالكا لكل نماء من ثمار ونتاج .

                                                                                                                                            فمثل هذا الضرب ينعقد الإجماع في حكم أصله ولا ينعقد في معناه ، ولا ينقض بقياسه حكم ، ولا يخص به عموم ، وهو أضعف مما تقدمه ، وإن قاربه في حكمه والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية