لا يحكم وهو غضبان :
مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : ومعقول في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا يحكم الحاكم ولا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان " أنه أراد أن يكون القاضي حين يحكم [ ص: 33 ] في حال لا يتغير فيها خلقه ولا عقله ؛ والحاكم أعلم بنفسه فأي حال أتت عليه تغير فيها عقله أو خلقه انبغى له أن لا يقضي حتى يذهب وأي حال صار إليه فيها سكون الطبيعة واجتماع العقل حكم وإن غيره مرض أو حزن أو فرح أو جوع أو نعاس أو ملالة ترك " .
قال الماوردي : وهذا صحيح ينبغي للقاضي أن يعتمد بنظره ، الوقت الذي يكون فيه ساكن النفس معتدل الأحوال ليقدر على الاجتهاد في النوازل ويحترس من الزلل في الأحكام .
فإن تغيرت حاله بغضب أو حرد تغير فيها عقله وخلقه توقف عن الحكم احترازا من الزلل فيه لرواية الشافعي عن سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " " . لا ينبغي للقاضي . أن يقضي بين اثنين وهو غضبان
وروى قيس بن الربيع وأبو مالك عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أنه كتب إليه وهو بسجستان : أما بعد فلا تقض بين اثنين وأنت غضبان فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : . لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان
: لا يحكم إلا وهو شبعان ريان
فإذا لحق القاضي حال تغير فيها عقله أو خلقه أو فهمه من غضب أو حزن أو فرح أو مرض أو جوع أو عطش توقف عن الحكم حتى يعود إلى سكون نفسه وكمال عقله وهدوء طبعه وظهور فهمه وقد روى عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان " .
وروى أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : . لا يقضي القاضي وهو غضبان مهموم ولا مصاب محزون ، ولا يقضي وهو جائع
[ ص: 34 ] ولما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي الرجل وهو يدافع الأخبثين والصلاة لا تحتاج من الاجتهاد إلى ما يحتاج إليه في الأحكام فكان . منع الأخبثين من القضاء أولى ، وكان الشعبي يأكل قبل الفجر ، فقيل له في ذلك فقال آخذ حكمي ثم أخرج فأقضي بين الناس .
وقال الشافعي : والحاكم أعلم بنفسه فأي حال أتت عليه تغير بها عقله أو خلقه انبغى له أن لا يقضي حتى تذهب .
فعلى هذا إن قضى في هذه الأحوال التي منع من القضاء فيها نفذ حكمه إن وافق الحق ؛ الزبير بن العوام ورجلا من الأنصار اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شراج الحرة ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اسق زرعك يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فقال الأنصاري : أن كان ابن عمتك فتمعر وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : اسق زرعك يا زبير ثم احبس الماء حتى يبلغ أصول الجدر فكان في الحكم الأول استنزل فيه الزبير عن كمال حقه ثم وفاه في الحكم الثاني وقد أمضاه في غضبه فدل على نفوذ حكمه . لأن