وأما فهي أكثر من أن تذكر . فأخرج الإمام مثالب الكذب أحمد في صحيحه وابن حبان وقال صحيح الإسناد عن والحاكم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { عبادة بن الصامت } . اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة : اصدقوا إذا حدثتم ، وأوفوا إذا وعدتم ، وأدوا إذا اؤتمنتم ، واحفظوا فروجكم ، وغضوا أبصاركم ، وكفوا أيديكم
ورواه ابن أبي شيبة وأبو يعلى والحاكم من حديث والبيهقي رضي الله عنه مرفوعا بلفظ { أنس } . تقبلوا لي ستا أتقبل لكم الجنة : إذا حدث أحدكم فلا يكذب ، وإذا وعد فلا يخلف ، وإذا اؤتمن فلا يخن ، غضوا أبصاركم ، وكفوا أيديكم ، واحفظوا فروجكم
[ ص: 144 ] وأخرج الترمذي وقال حسن صحيح عن سيدنا الحسن بن علي رضوان الله عليهما قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . وأخرج دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة البخاري وغيرهما عن ومسلم رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن مسعود } . : عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر ، والبر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا . وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا
وأخرج في صحيحه عن سيدنا ابن حبان رضوان الله عليه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي بكر الصديق } ورواه عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة ، وإياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار في الكبير بإسناد حسن من حديث الطبراني رضي الله عنه . معاوية
وأخرج الإمام عن مالك رضي الله عنه أنه قال : لا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب فينكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه فيكتب عند الله من الكاذبين . ابن مسعود
وروى أبو يعلى والطبراني في صحيحه وابن حبان عن والبيهقي مرفوعا { أبي برزة } . ألا إن الكذب يسود الوجه . والنميمة عذاب القبر
وأخرج عن البخاري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { سمرة بن جندب } . رأيت الليلة رجلين أتياني ، قال الذي رأيته يشق شدقيه فكذاب يكذب الكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة
وأخرج البخاري عن ومسلم رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } زاد آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر في رواية له { مسلم } . وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم
[ ص: 145 ] وأخرج الإمام أحمد عن والطبراني رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } . ورواه لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاحة والمراء وإن كان صادقا أبو يعلى من حديث سيدنا الإمام رضي الله عنه ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عمر بن الخطاب } . لا يبلغ العبد صريح الإيمان حتى يدع المزاح والكذب ، ويدع المراء وإن كان محقا
وروى الإمام قال حدثنا أحمد سمعت وكيع قال حدثت عن الأعمش أبي أمامة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . ورواه يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب البزار وأبو يعلى ورجاله رجال الصحيح عن رضي الله عنه مرفوعا بلفظ { سعد بن أبي وقاص } . يطبع المؤمن على كل خلة غير الخيانة والكذب
وصح عن الصديق رضي الله عنه وروي مرفوعا { } رواه الكذب يجانب الإيمان . البيهقي
وأخرج الإمام عن أحمد النواس بن سمعان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } قال كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك مصدق وأنت له كاذب الحافظ المنذري : رواه الإمام عن شيخه أحمد وفيه خلاف وبقية رواته ثقات . عمر بن هارون
وأخرج الترمذي وحسنه في كتاب الصمت عن وابن أبي الدنيا رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ابن عمر } . إذا كذب العبد تباعد الملك ميلا من نتن ما جاء به
وأخرج الإمام أحمد في صحيحه وابن حبان وقال صحيح الإسناد واللفظ للإمام والحاكم عن أحمد رضي الله عنها قالت { عائشة } . ما كان من [ ص: 146 ] خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ، ما اطلع على أحد من ذلك بشيء فيخرج من قلبه حتى يعلم أنه قد أحدث توبة
ولفظ { الحاكم } وأخرج ما كان شيء أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب . وما جربه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد وإن قل فيخرج له من نفسه حتى يجدد له توبة أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي عن والبيهقي عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { بهز بن حكيم } . ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ، ويل له ، ويل له
وأخرج وغيره عن مسلم رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم : شيخ زان ، وملك كذاب ، وعائل مستكبر } . ورواه بإسناد جيد من حديث البزار سلمان رضي الله عنه ولفظه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } العائل هو الفقير ، والمزهو هو المعجب بنفسه المتكبر . وقد قال صلى الله عليه وسلم { ثلاثة لا يدخلون الجنة : الشيخ الزاني ، والإمام الكذاب ، والعائل المزهو } ، وفي رواية { كفى بالمرء كذبا } ، وفي رواية { إثما } رواه بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع عن مسلم . قال في الآداب : ففي هذا الخبر أن من فعل ذلك وقع في الكذب المحرم ، فلا يفعل ليجتنب المحرم ، فيكون من فعل ذلك عمدا فقد تعمد كذبا . أبي هريرة
وقال في شرح : معناه الزجر عن التحديث بكل ما سمع فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب ، فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن . قالت الحكماء : من خاف الكذب أقل المواعيد . وقالوا : أمران لا يسلمان من الكذب : كثرة المواعيد ، وشدة الاعتذار . مسلم
وقال : طاف نافع مولى ابن عمر سبعا وصلى ركعتين ، فقال له رجل من قريش : ما أسرع ما طفت وصليت يا ابن عمر ، فقال [ ص: 147 ] أبا عبد الرحمن : أنتم أكثر منا طوافا وصياما ونحن خير منكم ، نحن نلتزم صدق الحديث وأداء الأمانة وإنجاز الوعد . ابن عمر
وأنشد : محمود الوراق
أصدق حديثك إن في الصدق الخلاص من الكذب
وقال آخر :ودع الكذوب لسانه خير من الكذب الخرس
ما أقبح الكذب المذموم صاحبه وأحسن الصدق عند الله والناس
الصدق أولى ما به دان الفتى فاجعله دينا
ودع النفاق فما رأيت منافقا إلا مهينا
وقال بعض الحكماء : من عرف بالصدق جاز كذبه ، ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه . وقالوا : الصدق عز ، والكذب خضوع . وقال لقمان لابنه : يا بني احذر الكذب فإنه شهي كلحم العصفور ، من أكل منه شيئا لم يصبر عنه ، والله أعلم .
( خاتمة ) الكذب من حيث هو حرام إلا فيما تقدم ، ولكنه من الصغائر في المعتمد ، ما لم يكن كذبا على الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو رمى بفتنة فكبيرة . وقد أوضحت ذلك في كتابي شرح منظومة الكبائر إيضاحا تاما . والله الموفق .