مطلب : هل يجوز ؟ . ذكر الإنسان بما يكره لمصلحة
قال الحافظ ابن رجب في التحرير في الفرق بين النصح والتعبير : اعلم أن ذكر الإنسان بما يكره إنما يكون محرما إذا كان المقصود منه مجرد الذم والعيب والتنقيص ، فأما إن كان فيه مصلحة عامة للمسلمين أو خاصة لبعضهم [ ص: 108 ] وكان المقصود منه تحصيل تلك المصلحة فليس بمحرم بل هو مندوب إليه . قال وقد قرر علماء الحديث هذا في كتبهم في الجرح والتعديل ، وذكروا الفرق بين جرح الرواة والغيبة ، وردوا على من سوى بينهما من المتعبدين وغيرهم ممن لا يتسع علمه ، ولا فرق بين الطعن في رواة ألفاظ الحديث والتمييز بين من تقبل روايته منهم ومن لا تقبل ، وبين تبين خطأ من أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة وتأول شيئا منهما على غير تأويله أو تمسك منهما بما لا يتمسك به ليحذر من الاقتداء به فيما أخطأ به .
قال : وقد أجمع العلماء على جواز ذلك أيضا . قلت : وقد مر قريبا عن صاحب الآداب أنه قد يجب ، لكن مراد الحافظ بالجواز ما ليس بممتنع فيشمل الواجب . قال الحافظ : ولهذا تجد كتبهم المصنفة في أنواع العلوم الشرعية من التفسير وشروح الحديث والفقه واختلاف العلماء وغير ذلك ممتلئة من المناظرات ورد أقوال من تضعف أقواله من أئمة السلف والخلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، ولم ينكر ذلك أحد من أهل العلم ولا أدعي أن فيه طعنا على من رد عليه قوله ولا ذما ولا تنقيصا .
قال اللهم إلا أن يكون المصنف يفحش في الكلام يسيء الأدب في العبارة فينكر عليه إفحاشه وإساءته دون أصل رده ، قال وسبب ذلك أن علماء الدين كلهم مجتمعون على قصد إظهار الحق الذي بعث الله به رسوله . وأن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمته هي العليا ، وكلهم معترفون بأن الإحاطة بالعلم كله من غير شذوذ شيء منه ليس هو مرتبة أحد منهم ، ولا ادعاه أحد منهم من المتقدمين والمتأخرين ، فلهذا كان أئمة السلف المجمع على علمهم وفضلهم يقبلون الحق ممن أورده عليهم وإن كان صغيرا ويوصون أتباعهم وأصحابهم بقبول الحق إذا ظهر في غير قولهم ، كما قال رضي الله عنه لما خطب ونهى عن المغالاة في صداق النساء وردت تلك المرأة عليه بقوله تعالى { عمر وآتيتم إحداهن قنطارا } فرجع عن قوله وقال امرأة أصابت ورجل أخطأ . وروي عنه أنه قال : كل أحد أفقه من . وذكر من هذا أشياء نفيسة جدا ثم قال : ومن هذا يعني النظر للمقاصد والمصلحة أن يقال للرجل في وجهه ما يكرهه طبعه ، فإن كان ذلك على وجه النصح فهو حسن . عمر