[ ص: 271 ] ولما ذكر الناظم رحمه الله من يندب ويجب أعقب ذلك بذكر من لا يجوز هجره من المسلمين فقال :
مطلب : في وحظر انتفا التسليم فوق ثلاثة على غير من قلنا بهجر فأكد ( وحظر ) أي منع ، وهو منصوب على المفعولية بأكد . حظر انتفاء التسليم فوق ثلاثة :
والمراد بالحظر هنا الحرمة خلافا لظاهر كلام الإمام . قال في الآداب الكبرى : فأما هجر المسلم العدل في اعتقاده وأفعاله فقال ابن عقيل يكره . وكلام الأصحاب خلافه ولهذا قال ابن عقيل شيخ الإسلام قدس الله روحه : اقتصاره في الهجر على الكراهة ليس بجيد بل من الكبائر ، على نص إذ الكبيرة ما فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة . الإمام أحمد
وقد صح قوله عليه الصلاة والسلام فيمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار .
( انتفا التسليم ) إذا لقيه فيعرض عنه جانبا ولا يكون لأخوة الإسلام مراقبا ولا لخطة الشيطان مجانبا ( فوق ثلاثة ) من الأيام أي أزيد منها لما ذكرنا من الحديث . فظاهر كلام الناظم عدم الحظر في الثلاثة فما دون .
وظاهر كلام الأكثر هنا لا فرق بين ثلاثة أيام فأكثر . وكلامهم في النشوز يدل على هذا . وذلك لظاهر ما في الصحيحين من رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أبي هريرة } . إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ، ولا تجسسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله عز وجل . المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره . التقوى ههنا ، ويشير إلى صدره ثلاث مرات . بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه ، وماله ، وعرضه ، وفيهما ولا تنافسوا ، ولا تهاجروا ، ولا تقاطعوا . إن الله عز وجل لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم
فقوله . ولا تهاجروا " نهي عن الهجرة وقطع الكلام ، وفي رواية " ولا تهجروا " وهو بمعنى الأولى . وقيل يجوز أن يكون معنى ولا تهجروا أي لا تتكلموا بالهجر بضم الهاء وهو الكلام القبيح . [ ص: 272 ] وفي رواية للبخاري وأبي داود وغيرهما { } . ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث
ورواه وزاد فيه { الطبراني } . يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا والذي يبدأ بالسلام يسبق إلى الجنة
وأخرج الإمام مالك والبخاري عن ومسلم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أبي أيوب } . لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام
وأخرج أبو داود بإسناد صحيح على شرط والنسائي البخاري عن ومسلم مرفوعا { أبي هريرة } . لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار
وفي رواية لأبي داود أنه صلى الله عليه وسلم قال { } . لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث ، فإن مرت به ثلاث فليلقه فليسلم عليه ، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر ، وإن لم يرد فقد باء بالإثم وخرج المسلم من الهجرة
وفي حديث عند عائشة أبي داود { } . فإذا لقيه يسلم عليه ثلاث مرات كل ذلك لا يرد عليه فقد باء بإثمه
وأخرج بسند صحيح الإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني في صحيحه عن وابن حبان هشام بن عامر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . لا يحل لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاث ليال ، فإنهما ناكبان أي مائلان عن الحق ، ما داما على صرامهما ، وأولهما فيئا يكون سبقه بالفيء كفارة له ، وإن سلم فلم يقبل ورد عليه سلامه ردت عليه الملائكة ورد على الآخر الشيطان ، فإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعا أبدا
وروى بسند صحيح عن الطبراني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { فضالة بن عبيد } . من هجر أخاه فوق ثلاث فهو في النار إلا أن يتداركه الله برحمته
وأخرج مالك واللفظ له ومسلم وأبو داود والترمذي عن وابن ماجه رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } وفي رواية أنه يكرر ذلك ثلاثا يعني قوله اتركوا هذين حتى يصطلحا . الشحناء العداوة كأنه شحن قلبه بغضا أي ملأه . تعرض [ ص: 273 ] الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول اتركوا هذين حتى يصطلحا
وكلامه في المستوعب وغيره على أنه لا يحرم في الثلاثة أيام للأخبار التي ذكرناها .
وفي شرح قال العلماء رضي الله عنهم : وإنما عفي عنها في الثلاث لأن الآدمي مجبول على الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك ، فعفي عنها في الثلاث ليزول ذلك العارض . وقيل إن الأخبار لا تدل على الهجر في الثلاث قال في شرح مسلم على مذهب من لا يحتج بالمفهوم : قال في الآداب : ويتوجه أو لأن الخبر في الهجر بعذر شرعي انتهى . مسلم
قلت : وقد ورد من المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يبطل التأويلين . فروى ورواته ثقات إلا الطبراني عبد الله عبد العزيز الليثني فوثقه مالك وقال وسعيد بن منصور منكر الحديث ، وضعفه البخاري النسائي وأبو حاتم ، وقال أبو زرعة ليس بالقوي ، وقال يحيى ليس بشيء فهو مختلف فيه كما ترى ، عن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أبي أيوب } فإن هذا الحديث يبطل تأويل من لم يحتج بالمفهوم جزما ، وهي اتجاه صاحب الآداب لأن الأصل عدم العذر إلا أن يقوم عليه دليل والله الموفق . لا تدابروا ، ولا تقاطعوا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، هجر المؤمنين ثلاثا فإن تكلما وإلا أعرض الله عز وجل عنهما حتى يتكلما
وإنما يحرم الهجر وانتفاء التسليم فوق ثلاثة أيام ( على غير من ) أي مسلم قلنا ( ب ) جواز ( هجر ) هـ لارتكابه المعاصي وتجاهره بها ، فإنها تجره بالنواصي إلى جهنم ولهبها . أو قلنا بوجوب هجره لارتكابه البدع المكفرة أو المفسقة أو كونه داعيا إلى بدعة مضلة أو مفسقة كما بيناه سابقا .
وقول الناظم ( فأكد ) فعل أمر من التأكيد ، أي أكد حظر انتفاء التسليم فوق ثلاثة أيام بلياليها على غير من قلنا بجواز هجره أو وجوبه .