nindex.php?page=treesubj&link=27366الكلام على البسملة
واعلم أن البسملة ساقطة من أول النظم ، وكان ذلك لكون المنظومة تتمة للقصيدة الطويلة ، أو أن
الناظم رحمه الله تعالى أتى بها لفظا أو لفظا وخطا كما
[ ص: 15 ] هو موجود في بعض النسخ وأسقطها بعض النساخ ، ونحن نأتي بها فنقول :
بسم الله الرحمن الرحيم إنما بدأ المصنفون كتبهم بالبسملة تأسيا بالكتاب القديم ، واقتداء بالرسول الكريم في مكاتباته إلى الملوك وغيرهم ، وعملا بحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28728كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر } أي ذاهب البركة ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب في كتابه الجامع .
فالباء للمصاحبة أو لاستعانة متعلقة بمحذوف ، وتقديره فعلا خاصا مؤخرا أولى . أما كونه فعلا ; فلأن أصل العمل للأفعال . وأما كونه خاصا فلأنه أنسب . وأما كونه مؤخرا ليكون الابتداء بالبسملة حقيقة ، والاسم مشتق من السمو وهو العلو ، أو السمة وهي العلامة .
nindex.php?page=treesubj&link=27366والله علم للذات الواجب الوجود لذاته ، المستحق لجميع الكمالات ، وهو مشتق عند
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه واشتقاقه من أله كعلم إذا تحير لتحير الخلق في كنه ذاته تعالى وتقدس ، وقيل من لاه يليه إذا علا ، أو من لاه يلوه إذا احتجب .
وهو عربي عند الأكثر ، وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=13902البلخي من
المعتزلة أنه معرب فقيل عربي وقيل سرياني ، ولكن القول بأنه معرب ساقط لا يلتفت إليه .
وهو الاسم الأعظم عند أكثر أهل العلم . وعدم الإجابة لأكثر الناس مع الدعاء به لتخلف بعض شروطه التي من أهمها الإخلاص وأكل الحلال .
وقال الإمام
ابن القيم : وجمع الاسم الأعظم الحي القيوم . قال في نونيته :
اسم الإله الأعظم اشتملا على اس م الحي والقيوم مقترنان فالكل مرجعها إلى الاسمين يد
ري ذاك ذو بصر بهذا الشان
والرحمن صفة في الأصل بمعنى كثير الرحمة جدا ، ثم غلب على البالغ في الرحمة غايتها وهو الله تعالى .
والرحيم ذو الرحمة الكثيرة ، فالرحمن أبلغ منه ، وأتى به إشارة إلى أن ما دل عليه من دقائق الرحمة وإن ذكر بعدما دل على جلائلها الذي هو المقصود الأعظم مقصود أيضا لئلا يتوهم أنه غير ملتفت إليه .
وإنما قدم الله على الرحمن الرحيم لأنه اسم ذات في الأصل ، وهما اسما صفة في الأصل ، والذات متقدمة على الصفة .
[ ص: 16 ] وإنما قدم الرحمن على الرحيم لأن الرحمن خاص بالله تعالى ، فلا يقال لغير الله جل شأنه .
وأما قول
بني حنيفة في
مسيلمة الكذاب : رحمان
اليمامة ، وقول شاعرهم
وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري من تعنتهم في كفرهم ، وإلا فهو كالله خاص بالله لغة وشرعا . قال ومن ثم أخر عن الله بخلاف الرحيم فليس خاصا به تعالى بل عام به وبغيره تعالى لمن قام به معناه .
واعترض بما خرجه
ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري أنه قال الرحيم لا يستطيع أحد أن ينتحله ، وحمله الحافظ
السيوطي على المعرف بأل دون المنكر والمضاف ، والخاص مقدم على العام ، ولأنه أبلغ من الرحيم كما أشرنا لزيادة بنائه على الرحيم وزيادة البناء تدل على زيادة المعنى غالبا كما في قطع وقطع .
فإن قيل : العادة تقديم غير الأبلغ ليرتقي منه إلى الأبلغ كما في قولهم عالم نحرير وجواد فياض ، فالجواب قد قيل إن الرحيم أبلغ ، وقيل هما سواء ، غير أنه قد خص كل منهما بشيء ، فقيل رحمن الدنيا ورحيم الآخرة ، وقيل عكسه ، وقيل الرحمن أمدح والرحيم ألطف . وقيل إنما خولفت العادة لأنه أريد أن يردف الرحمن الذي تناول جلائل النعم وأصولها بالرحيم ليكون كالتتمة والرديف لتناوله ما دق منها ولطف كما أشرنا إليه .
وقد قال
ابن هشام في المغني : الحق قول الأعلم
وابن مالك أن الرحمن ليس بصفة بل علم . قال وبهذا لا يتجه السؤال وينبني على علميته أنه في البسملة ونحوها بدل لا نعت ، وأن الرحيم بعده نعت له لا نعت لاسم الله ، إذ لا يقدم البدل على النعت . قال ومما يوضح أنه غير صفة مجيئه كثيرا غير تابع نحو {
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=1الرحمن علم القرآن } {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } {
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=60وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن } انتهى .
واعترض بأن مجيئه كثيرا غير تابع لا يدل على عدم الصفة لأن الموصوف إذا علم جاز حذفه وإبقاء صفته كقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك } أي نوع مختلف ألوانه كاختلاف السموات والجبال ، وعلى المشهور أنه صفة كالرحيم بحسب الأصل فمشتقان من رحم بجعله
[ ص: 17 ] لازما بنقله إلى باب فعل بضم العين أو بتنزيله منزلة اللازم إذ هما صفتان مشبهتان وهي لا تشتق من متعد .
nindex.php?page=treesubj&link=28721ورحمته تعالى صفة قديمة قائمة بذاته تعالى تقتضي التفضل والإنعام ، وأما تفسيرها برقة في القلب تقتضي الإنعام كما في الكشاف وغيره إنما يليق برحمة المخلوق ، ونظير ذلك العلم ، فإن حقيقته المتصف بها تعالى ليست مثل الحقيقة القائمة بالمخلوق ، بل نفس الإرادة التي يردون الرحمة إليها هي في حقه تعالى مخالفة لإرادة المخلوق ، إذ هي ميل قلبه إلى الفعل أو الترك ، وإرادته تعالى بخلاف ذلك .
وكذا رد
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري لها في حقه تعالى إلى الفعل بمعنى الإنعام مع أن فعل العبد الاختياري إنما يكون لجلب نفع للفاعل أو دفع ضرر عنه ، وفعله تعالى بخلاف ذلك ، فما فروا إليه فيه من المحذور نظير الذي فروا منه .
وبهذا يظهر أنه لا حاجة إلى
nindex.php?page=treesubj&link=28714دعوى المجاز في رحمته تعالى ، إذ هو خلاف الأصل المقتضي لصحة نفيها عنه وضعف المقصود منها فيه كما هو شأن المجاز ، إذ يصح أن نقول لمن قال زيد أسد ليس بأسد وليست جراءته كجراءته .
والحاصل أن
nindex.php?page=treesubj&link=29477الصفة تارة تعتبر من حيث هي هي ، وتارة من حيث قيامها به تعالى ، وتارة من حيث قيامها بغيره تعالى ، وليست الاعتبارات الثلاثة متماثلة إذ ليس كمثله تعالى شيء لا في ذاته ولا في شيء من صفاته ولا في شيء من أفعاله . ذكر ذلك الإمام العلامة
ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد .
واعلم أن الحديث الذي قدمناه وهو {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28728كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر } قد روي بلفظ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28730كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع } رواه عند
البغوي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16122بحمد الله } ، والكل بلفظ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1483أقطع } وفي رواية " أجذم " وفي رواية {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28728كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع } أيضا وفي رواية {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87177لا يبدأ فيه بذكر الله } فتكون الروايات ببسم الله الرحمن الرحيم ، وبالحمد لله ، وبحمد الله ، وبذكر الله ، وأقطع ، وهو أكثر الروايات ، وأبتر وأجذم .
ومعنى " ذي بال " أي صاحب حال وشأن يهتم به شرعا ، فيخرج المحرم والمكروه ، ومعنى " الأبتر ، والأقطع ، والأجذم ناقص البركة ، فإن البتر قطع الذنب ، والقطع أعم من ذلك ، والجذم قطع الأطراف أو
[ ص: 18 ] فسادها ولكن في المعنوي ناقص البركة بجامع أن كلا منهما ناقص .
nindex.php?page=treesubj&link=27366الْكَلَامُ عَلَى الْبَسْمَلَةِ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ سَاقِطَةٌ مِنْ أَوَّلِ النَّظْمِ ، وَكَانَ ذَلِكَ لِكَوْنِ الْمَنْظُومَةِ تَتِمَّةً لِلْقَصِيدَةِ الطَّوِيلَةِ ، أَوْ أَنَّ
النَّاظِمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَتَى بِهَا لَفْظًا أَوْ لَفْظًا وَخَطًّا كَمَا
[ ص: 15 ] هُوَ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَأَسْقَطَهَا بَعْضُ النُّسَّاخِ ، وَنَحْنُ نَأْتِي بِهَا فَنَقُولُ :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إنَّمَا بَدَأَ الْمُصَنِّفُونَ كُتُبَهُمْ بِالْبَسْمَلَةِ تَأَسِّيًا بِالْكِتَابِ الْقَدِيمِ ، وَاقْتِدَاءً بِالرَّسُولِ الْكَرِيمِ فِي مُكَاتَبَاتِهِ إلَى الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ ، وَعَمَلًا بِحَدِيثِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28728كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَبْتَرُ } أَيْ ذَاهِبُ الْبَرَكَةِ ، رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14231الْخَطِيبُ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ .
فَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ أَوْ لِاسْتِعَانَةٍ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ ، وَتَقْدِيرُهُ فِعْلًا خَاصًّا مُؤَخَّرًا أَوْلَى . أَمَّا كَوْنُهُ فِعْلًا ; فَلِأَنَّ أَصْلَ الْعَمَلِ لِلْأَفْعَالِ . وَأَمَّا كَوْنُهُ خَاصًّا فَلِأَنَّهُ أَنْسَبُ . وَأَمَّا كَوْنُهُ مُؤَخَّرًا لِيَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِالْبَسْمَلَةِ حَقِيقَةً ، وَالِاسْمُ مُشْتَقٌّ مِنْ السُّمُوِّ وَهُوَ الْعُلُوُّ ، أَوْ السِّمَةُ وَهِيَ الْعَلَامَةُ .
nindex.php?page=treesubj&link=27366وَاَللَّهُ عَلَمٌ لِلذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ ، الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْكَمَالَاتِ ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ أَلِهَ كَعَلِمَ إذَا تَحَيَّرَ لَتَحَيُّرِ الْخَلْقِ فِي كُنْهِ ذَاتِهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ ، وَقِيلَ مِنْ لَاهَ يَلِيهُ إذَا عَلَا ، أَوْ مِنْ لَاهَ يَلُوهُ إذَا احْتَجَبَ .
وَهُوَ عَرَبِيٌّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ ، وَزَعَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=13902الْبَلْخِيُّ مِنْ
الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ مُعَرَّبٌ فَقِيلَ عَرَبِيٌّ وَقِيلَ سُرْيَانِيٌّ ، وَلَكِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مُعَرَّبٌ سَاقِطٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ .
وَهُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ . وَعَدَمُ الْإِجَابَةِ لِأَكْثَرِ النَّاسِ مَعَ الدُّعَاءِ بِهِ لِتَخَلُّفِ بَعْضِ شُرُوطِهِ الَّتِي مِنْ أَهَمِّهَا الْإِخْلَاصُ وَأَكْلُ الْحَلَالِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ
ابْنُ الْقَيِّمِ : وَجَمَعَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ الْحَيَّ الْقَيُّومَ . قَالَ فِي نُونِيَّتِهِ :
اسْمُ الْإِلَهِ الْأَعْظَمِ اشْتَمَلَا عَلَى اسْ مِ الْحَيِّ وَالْقَيُّومِ مُقْتَرِنَانِ فَالْكُلُّ مَرْجِعُهَا إلَى الِاسْمَيْنِ يَدْ
رِيّ ذَاكَ ذُو بَصَرٍ بِهَذَا الشَّانِ
وَالرَّحْمَنُ صِفَةٌ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى كَثِيرِ الرَّحْمَةِ جِدًّا ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الْبَالِغِ فِي الرَّحْمَةِ غَايَتَهَا وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَالرَّحِيمُ ذُو الرَّحْمَةِ الْكَثِيرَةِ ، فَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ مِنْهُ ، وَأَتَى بِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ دَقَائِقِ الرَّحْمَةِ وَإِنْ ذُكِرَ بَعْدَمَا دَلَّ عَلَى جَلَائِلِهَا الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مَقْصُودٌ أَيْضًا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَفَتٍ إلَيْهِ .
وَإِنَّمَا قُدِّمَ اللَّهُ عَلَى الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِأَنَّهُ اسْمُ ذَاتٍ فِي الْأَصْلِ ، وَهُمَا اسْمَا صِفَةٍ فِي الْأَصْلِ ، وَالذَّاتُ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الصِّفَةِ .
[ ص: 16 ] وَإِنَّمَا قُدِّمَ الرَّحْمَنُ عَلَى الرَّحِيمِ لِأَنَّ الرَّحْمَنَ خَاصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، فَلَا يُقَالُ لِغَيْرِ اللَّهِ جَلَّ شَأْنُهُ .
وَأَمَّا قَوْلُ
بَنِي حَنِيفَةَ فِي
مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ : رَحْمَانُ
الْيَمَامَةِ ، وَقَوْلُ شَاعِرِهِمْ
وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْت رَحْمَانًا
فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ تَعَنُّتِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ ، وَإِلَّا فَهُوَ كَاَللَّهِ خَاصٌّ بِاَللَّهِ لُغَةً وَشَرْعًا . قَالَ وَمِنْ ثَمَّ أُخِّرَ عَنْ اللَّهِ بِخِلَافِ الرَّحِيمِ فَلَيْسَ خَاصًّا بِهِ تَعَالَى بَلْ عَامٌّ بِهِ وَبِغَيْرِهِ تَعَالَى لِمَنْ قَامَ بِهِ مَعْنَاهُ .
وَاعْتُرِضَ بِمَا خَرَّجَهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ الرَّحِيمُ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَنْتَحِلَهُ ، وَحَمَلَهُ الْحَافِظُ
السُّيُوطِيّ عَلَى الْمُعَرَّفِ بِأَلْ دُونَ الْمُنَكَّرِ وَالْمُضَافِ ، وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الرَّحِيمِ كَمَا أَشَرْنَا لِزِيَادَةِ بِنَائِهِ عَلَى الرَّحِيمِ وَزِيَادَةُ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى غَالِبًا كَمَا فِي قَطَعَ وَقَطَّعَ .
فَإِنْ قِيلَ : الْعَادَةُ تَقْدِيمُ غَيْرِ الْأَبْلَغِ لِيَرْتَقِيَ مِنْهُ إلَى الْأَبْلَغِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ عَالِمٌ نِحْرِيرٌ وَجَوَادٌ فَيَّاضٌ ، فَالْجَوَابُ قَدْ قِيلَ إنَّ الرَّحِيمَ أَبْلَغُ ، وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ خُصَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ ، فَقِيلَ رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَرَحِيمُ الْآخِرَةِ ، وَقِيلَ عَكْسُهُ ، وَقِيلَ الرَّحْمَنُ أَمْدَحُ وَالرَّحِيمُ أَلْطَفُ . وَقِيلَ إنَّمَا خُولِفَتْ الْعَادَةُ لِأَنَّهُ أُرِيدَ أَنْ يُرْدَفَ الرَّحْمَنُ الَّذِي تَنَاوَلَ جَلَائِلَ النِّعَمِ وَأُصُولِهَا بِالرَّحِيمِ لِيَكُونَ كَالتَّتِمَّةِ وَالرَّدِيفِ لِتَنَاوُلِهِ مَا دَقَّ مِنْهَا وَلَطُفَ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ .
وَقَدْ قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي : الْحَقُّ قَوْلُ الْأَعْلَمِ
وَابْنِ مَالِكٍ أَنَّ الرَّحْمَنَ لَيْسَ بِصِفَةٍ بَلْ عَلَمٍ . قَالَ وَبِهَذَا لَا يُتَّجَهُ السُّؤَالُ وَيَنْبَنِي عَلَى عَلَمِيَّتِهِ أَنَّهُ فِي الْبَسْمَلَةِ وَنَحْوِهَا بَدَلٌ لَا نَعْتٌ ، وَأَنَّ الرَّحِيمَ بَعْدَهُ نَعْتٌ لَهُ لَا نَعْتٌ لِاسْمِ اللَّهِ ، إذْ لَا يُقَدَّمُ الْبَدَلُ عَلَى النَّعْتِ . قَالَ وَمِمَّا يُوَضِّحُ أَنَّهُ غَيْرُ صِفَةٍ مَجِيئُهُ كَثِيرًا غَيْرَ تَابِعٍ نَحْوُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=1الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110قُلْ اُدْعُوَا اللَّهَ أَوْ اُدْعُوَا الرَّحْمَنَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=60وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اُسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ } انْتَهَى .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَجِيئَهُ كَثِيرًا غَيْرَ تَابِعٍ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الصِّفَةِ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ إذَا عُلِمَ جَازَ حَذْفُهُ وَإِبْقَاءُ صِفَتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28وَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ } أَيْ نَوْعٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَاخْتِلَافِ السَّمَوَاتِ وَالْجِبَالِ ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ صِفَةٌ كَالرَّحِيمِ بِحَسَبِ الْأَصْلِ فَمُشْتَقَّانِ مِنْ رَحُمَ بِجَعْلِهِ
[ ص: 17 ] لَازِمًا بِنَقْلِهِ إلَى بَابِ فَعُلَ بِضَمِّ الْعَيْنِ أَوْ بِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ إذْ هُمَا صِفَتَانِ مُشَبَّهَتَانِ وَهِيَ لَا تُشْتَقُّ مِنْ مُتَعَدٍّ .
nindex.php?page=treesubj&link=28721وَرَحْمَتُهُ تَعَالَى صِفَةٌ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ تَعَالَى تَقْتَضِي التَّفَضُّلَ وَالْإِنْعَامَ ، وَأَمَّا تَفْسِيرُهَا بِرِقَّةٍ فِي الْقَلْبِ تَقْتَضِي الْإِنْعَامَ كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا يَلِيقُ بِرَحْمَةِ الْمَخْلُوقِ ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْعِلْمُ ، فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ الْمُتَّصِفَ بِهَا تَعَالَى لَيْسَتْ مِثْلَ الْحَقِيقَةِ الْقَائِمَةِ بِالْمَخْلُوقِ ، بَلْ نَفْسُ الْإِرَادَةِ الَّتِي يَرُدُّونَ الرَّحْمَةَ إلَيْهَا هِيَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مُخَالِفَةٌ لِإِرَادَةِ الْمَخْلُوقِ ، إذْ هِيَ مَيْلُ قَلْبِهِ إلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ ، وَإِرَادَتُهُ تَعَالَى بِخِلَافِ ذَلِكَ .
وَكَذَا رَدُّ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ لَهَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى إلَى الْفِعْلِ بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ مَعَ أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ الِاخْتِيَارِيَّ إنَّمَا يَكُونُ لِجَلْبِ نَفْعٍ لِلْفَاعِلِ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ عَنْهُ ، وَفِعْلُهُ تَعَالَى بِخِلَافِ ذَلِكَ ، فَمَا فَرُّوا إلَيْهِ فِيهِ مِنْ الْمَحْذُورِ نَظِيرُ الَّذِي فَرُّوا مِنْهُ .
وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28714دَعْوَى الْمَجَازِ فِي رَحْمَتِهِ تَعَالَى ، إذْ هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ الْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ نَفْيِهَا عَنْهُ وَضَعْفِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا فِيهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمَجَازِ ، إذْ يَصِحُّ أَنْ نَقُولَ لِمَنْ قَالَ زَيْدٌ أَسَدٌ لَيْسَ بِأَسَدٍ وَلَيْسَتْ جَرَاءَتُهُ كَجَرَاءَتِهِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29477الصِّفَةَ تَارَةً تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ ، وَتَارَةً مِنْ حَيْثُ قِيَامُهَا بِهِ تَعَالَى ، وَتَارَةً مِنْ حَيْثُ قِيَامُهَا بِغَيْرِهِ تَعَالَى ، وَلَيْسَتْ الِاعْتِبَارَاتُ الثَّلَاثَةُ مُتَمَاثِلَةً إذْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ تَعَالَى شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهِ . ذَكَرَ ذَلِكَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ
ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28728كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَبْتَرُ } قَدْ رُوِيَ بِلَفْظِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28730كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ } رَوَاهُ عِنْدَ
الْبَغَوِيِّ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16122بِحَمْدِ اللَّهِ } ، وَالْكُلُّ بِلَفْظِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1483أَقْطَعُ } وَفِي رِوَايَةٍ " أَجْذَمُ " وَفِي رِوَايَةٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28728كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ } أَيْضًا وَفِي رِوَايَةٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87177لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّهِ } فَتَكُونُ الرِّوَايَاتُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وَبِالْحَمْدِ لِلَّهِ ، وَبِحَمْدِ اللَّهِ ، وَبِذِكْرِ اللَّهِ ، وَأَقْطَعُ ، وَهُوَ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ ، وَأَبْتَرُ وَأَجْذَمُ .
وَمَعْنَى " ذِي بَالٍ " أَيْ صَاحِبِ حَالٍ وَشَأْنٍ يُهْتَمُّ بِهِ شَرْعًا ، فَيَخْرُجُ الْمُحَرَّمُ وَالْمَكْرُوهُ ، وَمَعْنَى " الْأَبْتَرُ ، وَالْأَقْطَعُ ، وَالْأَجْذَمُ نَاقِصُ الْبَرَكَةِ ، فَإِنَّ الْبَتْرَ قَطْعُ الذَّنَبِ ، وَالْقَطْعُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ، وَالْجَذْمُ قَطْعُ الْأَطْرَافِ أَوْ
[ ص: 18 ] فَسَادُهَا وَلَكِنْ فِي الْمَعْنَوِيِّ نَاقِصُ الْبَرَكَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نَاقِصٌ .