الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( الرابعة ) ذكر سيدنا الشيخ عبد القادر في الغنية روي في بعض الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم { أن العبد إذا قال الحمد لله قال الملك : رب العالمين ، فإذا قال العبد : رب العالمين بعد الحمد قال الملك : يرحمك ربك } ، فيتوجه على هذا أن يرد عليه ، ذكره في الآداب . والخبر الذي أشار إليه الشيخ عبد القادر قدس الله سره رواه الطبراني والحافظ الضياء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما .

وقل للفتى عوفيت بعد ثلاثة وللطفل بورك فيك وأمره يحمد ( وقل ) أيها المسلم المتشرع الذي لنيل الفضائل متشوق ومتطلع ( للفتى ) المسلم وأصله لغة الشاب والمراد به كل مسلم لا يجب هجره ولا يسن ، وليس بأجنبية على ما تقدم في السلام وتشمت المرأة المرأة والرجل الرجل والمرأة العجوز البرزة لأمن الفتنة ، وأما الشابة فلا يشمتها ولا تشمته كما في الإقناع وغيره ( عوفيت ) دعاء له بالعافية ، وهي كلمة جامعة لخيري الدنيا والآخرة .

وفي المسند من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه مرفوعا { وسلوا الله المعافاة فإنه لم يؤت رجل بعد اليقين خيرا من المعافاة } .

وفي صحيح الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا { ما سئل الله عز وجل شيئا أحب له من أن يسأل العافية } وفي العافية عدة أخبار مأثورة عن النبي المختار صلى الله عليه وسلم .

( بعد ثلاثة ) أي بعد تشميتك له ثلاث مرات بقولك له يرحمك الله أو يرحمكم الله ، فإذا عطس رابعة لا يشمت بل يقال له عوفيت ، وهذا الذي ذكره السامري وسيدنا الشيخ عبد القادر . وقال شيخ الإسلام : وهو [ ص: 449 ] منصوص الإمام أحمد ، وقيل أو ثالثة ، وهو الذي ذكره ابن تميم .

وقال شيخ الإسلام : هو الذي اتفق عليه كلام القاضي وابن عقيل ، وقيل أو مرتين ، والمذهب المعتمد الأول . قال في الإقناع وشرحه كغيره : فإن عطس ثانيا وحمد شمته ، وثالثا شمته ، ورابعا دعا له بالعافية ، ولا يشمت للرابعة إلا إذا لم يكن شمته قبلها ثلاثا . فالاعتبار بفعل التشميت لا بعدد العطسات ، فلو عطس أكثر من ثلاث متواليات شمته بعدها إذا لم يتقدم تشميت .

قال صاحب المنتهى في شرحه والحجاوي في شرح المنظومة قولا واحدا . وقاله الإمام ابن مفلح في الآداب الكبرى ، ولفظ الآداب : ويقال له عافاك الله ; لأنه ريح . قال صالح لأبيه : يشمت العاطس في مجلسه ثلاثا . قال أكثر ما قيل فيه ثلاث . قال وهذا مع كلام الأصحاب يدل على أن الاعتبار بفعل التشميت لا بعدد العطسات ، فلو عطس أكثر من ثلاث متواليات شمته بعدها إذا لم يتقدم تشميت قولا واحدا .

قال : والأدلة توافق هذا وهو واضح .

قال مهنا للإمام أحمد : أي شيء مذهبك في العاطس يشمت إلى ثلاث مرار ؟ فقال إلى قول عمرو بن العاص قال العاطس بمنزلة الخاطب يشمت إلى ثلاث فما زاد فهو داء في الرأس . وقال أبو الحارث عنه : يشمت إلى .

وروى ابن ماجه وإسناده جيد ثقات عن سلمة بن الأكوع مرفوعا { يشمت العاطس ثلاثا فما زاد فهو مزكوم } . ولأبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفا ومرفوعا مثله .

ولمسلم وأبي داود عن سلمة رضي الله عنه { سمع رسول صلى الله عليه وسلم وعطس رجل عنده فقال له يرحمك الله ، ثم عطس أخرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الرجل مزكوم } . وعند الترمذي قال له في الثالثة { أنت مزكوم } قال وهو أصح من الأول . وقد علمت أن المذهب المعتمد أن يشمت إلى ثلاث ويدعى له في الرابعة والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية