الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 30 ] ( ومن قتل مسلما خطأ لا ولي له أو قتل حربيا دخل إلينا بأمان فأسلم فالدية على عاقلته للإمام وعليه الكفارة ) ; لأنه قتل نفسا معصومة خطأ فتعتبر بسائر النفوس المعصومة ، ومعنى قوله للإمام أن حق الأخذ له ; لأنه لا وارث له ( وإن كان عمدا فإن شاء الإمام قتله ، وإن شاء أخذ الدية ) ; لأن النفس معصومة ، والقتل عمد ، والولي معلوم وهو العامة أو السلطان . قال عليه الصلاة والسلام { السلطان ولي من لا ولي له } وقوله وإن شاء أخذ الدية معناه بطريق الصلح ; لأن موجب العمد وهو القود عينا ، وهذا ; لأن الدية أنفع في هذه المسألة من القود فلهذا كان له ولاية الصلح على المال ( وليس له أن يعفو ) ; لأن الحق للعامة وولايته نظرية وليس من النظر إسقاط حقهم من غير عوض .

التالي السابق


( قوله : ومن قتل مسلما خطأ لا ولي له أو قتل حربيا دخل دار الإسلام بأمان فأسلم فالدية على عاقلته للإمام وعليه الكفارة ; لأنه قتل نفسا معصومة ) بالإسلام وداره ( خطأ ، ومعنى قوله : للإمام أن حق الأخذ له لا وارث له ) بالفرض لا أن المأخوذ يملكه هو بل يوضع في بيت المال ، ( وإن كان ) قتل المسلم الذي لا وارث له والمستأمن الذي أسلم ، ولم يسلم معه وارث قصدا ولا تبعا بأن لم يكن معه ولد صغير دخل به إلينا ( عمدا فإن شاء الإمام قتله ، وإن شاء أخذ الدية ) منه بطريق الصلح لا الجبر ( لأن موجب العمد عندنا القصاص عينا ) إلا أن يتصالحوا على الدية ، وإنما كان للسلطان ذلك ; لأنه هو ولي المقتول . ( قال عليه الصلاة والسلام { : السلطان ولي من لا ولي له } ) وقد قدمنا الكلام على هذا الحديث في باب الأولياء والأكفاء من هذا الكتاب فارجع إليه . والدية ، وإن كانت أنفع للمسلمين من قتله لكن قد يعود إليهم من قتله منفعة أخرى هي أن ينزجر أمثاله عن قتل المسلمين فيرى بما هو أنفع في رأيه ، وبما ذكرنا ظهر أن الأولى أن يقول : وهذا ; لأن الدية قد تكون أنفع ، وإلا كان يتعين الصلح منه عليها .

( وأما أن يعفو فليس له ذلك ; لأن ولايته على العامة نظرية وليس من النظر إسقاط حقهم من غير عوض ) ولو كان المقتول لقيطا فقتله الملتقط أو غيره خطأ فلا إشكال في وجوب الدية لبيت المال على عاقلة القاتل والكفارة عليه ، ولو كان القتل عمدا فإن شاء الإمام قتله ، وإن شاء صالحه على الدية كالتي قبلها ، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف : عليه الدية في ماله ولا أقتله ; لأنه لا يخلو عن ولي كالأب ونحوه إن كان ابن رشدة ، وكالأم إن كان ابن زنا ، فاشتبه من له حق القصاص فلا يستوفى كالمكاتب الذي قتل قبل أداء الكتابة ، وترك وفاء . ولهما أنه لا يعلم له ولي ولا هو في مظنته ، واحتمال كونه له في نفس الأمر لا يفيد إذ لا ينتفع به فكان وجوده وعدمه في نفس الأمر سواء ; لأنه لا يقدر على الانتفاع فيستوفى .




الخدمات العلمية