ذكر بعض سيرته
كان - صلى الله عليه وسلم - خازنا أبو رافع مولى رسول الله لعلي على بيت المال ، فدخل علي يوما وقد زينت ابنته ، فرأى عليها لؤلؤة كان عرفها لبيت المال ، فقال : من أين لها هذه ؟ لأقطعن يدها ! فلما رأى أبو رافع جده في ذلك قال : أنا والله يا أمير المؤمنين زينتها بها . فقال علي : لقد تزوجت بفاطمة وما لي فراش إلا جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار وما لي خادم غيرها .
قال : قسم علم الناس خمسة أجزاء ، فكان ابن عباس لعلي منها أربعة أجزاء ، [ ص: 749 ] ولسائر الناس جزء شاركهم علي فيه فكان أعلمهم به .
وقال : ما جاء لأحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ما جاء أحمد بن حنبل لعلي .
وقال عمرو بن ميمون : لما ضرب وجعل الخلافة في الستة من الصحابة ، فلما خرجوا من عنده قال : إن يولوها الأجلح يسلك بهم الطريق ، فقال له ابنه عمر بن الخطاب عبد الله : فما يمنعك يا أمير المؤمنين ( من توليته ) ؟ قال : أكره أن أتحملها حيا وميتا .
وقال عاصم بن كليب عن أبيه : قدم على علي مال من أصبهان ، فقسمه على سبعة أسهم ، فوجد فيه رغيفا فقسمه على سبعة ، ودعا أمراء الأسباع فأقرع بينهم لينظر أيهم يعطى أولا .
وقال هارون بن عنترة عن أبيه : دخلت على علي بالخورنق - وهو فصل شتاء - وعليه خلق قطيفة ، وهو يرعد فيه ، فقلت : يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهلك في هذا المال نصيبا وأنت تفعل هذا بنفسك ؟ فقال : والله ما أرزأكم شيئا ، وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من المدينة .
وقال يحيى بن سلمة : استعمل علي عمرو بن سلمة على أصبهان ، فقدم ومعه مال وزقاق فيها عسل وسمن ، فأرسلت إلى أم كلثوم بنت علي عمرو تطلب منه سمنا وعسلا ، فأرسل إليها ظرف عسل وظرف سمن . فلما كان الغد خرج علي وأحضر المال والعسل والسمن ليقسم ، فعد الزقاق فنقصت زقين ، فسأله عنهما ، فكتمه وقال : نحن نحضرها ، فعزم عليه إلا ذكرها له ، فأخبره ، فأرسل إلى أم كلثوم فأخذ الزقين منها ، فرآهما قد نقصا ، فأمر التجار بتقويم ما نقص منهما ، فكان ثلاثة دراهم ، فأرسل إليها فأخذها منها ثم قسم الجميع .
قيل : وخرج من همدان فرأى رجلين يقتتلان ، ففرق بينهما ثم مضى ، فسمع صوتا : يا غوثاه بالله ! فخرج يحضر نحوه وهو يقول : أتاك الغوث . فإذا رجل يلازم رجلا . فقال : يا أمير المؤمنين بعت هذا ثوبا بسبعة دراهم ، وشرطت أن لا يعطيني مغموزا ولا مقطوعا ، وكان شرطهم يومئذ ، فأتاني بهذه الدراهم ، فأتيت ولزمته ، فلطمني . فقال للاطم : ما تقول ؟ فقال : صدق يا أمير المؤمنين . فقال : أعطه شرطه . فأعطاه . وقال للملطوم : اقتص . قال : أو أعفو يا أمير المؤمنين ؟ قال : ذلك إليك . ثم قال : يا معشر المسلمين خذوه ، فأخذوه ، فحمل على ظهر رجل كما يحمل صبيان الكتاب ، ثم ضربه [ ص: 750 ] خمس عشرة درة وقال : هذا نكال لما انتهكت من حرمته .
ولما قتل - عليه السلام - قام ابنه الحسن خطيبا فقال : لقد قتلتم الليلة رجلا في ليلة نزل فيها القرآن ، وفيها رفع عيسى ، وفيها قتل يوشع بن نون ، والله ما سبقه أحد كان قبله ، ولا يدركه أحد يكون بعده ، والله إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبعثه في السرية وجبرائيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، والله ما ترك ( صفراء ولا بيضاء ) إلا ثمانمائة أو سبعمائة أرصدها لجارية .
وقال سفيان : إن عليا لم يبن آجرة على آجرة ، ولا لبنة على لبنة ، ولا قصبة على قصبة ، وإن كان ليؤتى بحبوبه من المدينة في جراب .
( وقيل : إنه أخرج سيفا له إلى السوق فباعه وقال : لو كان عندي أربعة دراهم ثمن إزار لم أبعه . وكان لا يشتري ممن يعرفه ، وإذا اشترى قميصا قدر كمه على طول يده وقطع الباقي ) . وكان يختم على الجراب الذي فيه دقيق الشعير الذي يأكل منه ويقول : لا أحب أن يدخل بطني إلا ما أعلم .
وقال : وجد الشعبي علي درعا له عند نصراني ، فأقبل به إلى شريح وجلس إلى جانبه وقال : لو كان خصمي مسلما لساويته ، وقال : هذه درعي ! فقال النصراني : ما هي إلا درعي ، ولم يكذب أمير المؤمنين ؟ فقال شريح لعلي : ألك بينة ؟ قال : لا - وهو يضحك - فأخذ النصراني الدرع ومشى يسيرا ، ثم عاد وقال : أشهد أن هذه أحكام الأنبياء ، أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه ، وقاضيه يقضي عليه . ثم أسلم واعترف أن الدرع سقطت من علي عند مسيره إلى صفين ، ففرح علي بإسلامه ووهب له الدرع وفرسا ، وشهد معه قتال الخوارج .
وقيل : إن عليا رؤي وهو يحمل في ملحفته تمرا قد اشتراه بدرهم ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ألا نحمله عنك ؟ فقال : أبو العيال أحق بحمله .
وقال : تذاكروا الزهاد عند الحسن بن صالح ، فقال عمر بن عبد العزيز عمر : أزهد الناس في الدنيا . علي بن أبي طالب
وقال المدائني : نظر علي إلى قوم ببابه ، فقال لقنبر مولاه : من هؤلاء ؟ قال : [ ص: 751 ] شيعتك يا أمير المؤمنين . قال : وما لي لا أرى فيهم سيما الشيعة ؟ قال : وما سيماهم ؟ قال : خمص البطون من الطوي ، يبس الشفاه من الظمإ ، عمش العيون من البكاء .
( ومناقبه لا تحصى ، قد جمعت قضاياه في كتاب مفرد ) .