الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا رهن ما يتسارع إليه الفساد ، فإن أمكن تجفيفه كالرطب والعنب ، صح رهنه وجفف . وإن لم يمكن كالثمرة التي لا تجفف ، والريحان ، والجمد ، فإن رهنه بدين حال ، صح ، ثم إن بيع في الدين ، أو قضي الدين من موضع آخر ، فذاك ، وإلا بيع وجعل الثمن رهنا ، فلو تركه المرتهن حتى فسد ، قال في التهذيب : إن كان الراهن أذن له في بيعه ، ضمن ، وإلا ، فلا . ويجوز أن يقال : عليه الرفع إلى القاضي ليبيعه .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الاحتمال الذي قاله الإمام الرافعي رحمه الله ، قوي أو متعين . وقد قال صاحب التتمة في هذه الصورة : إن سكتا حتى فسد ، أو طلب المرتهن بيعه ، فامتنع الراهن ، فهو من ضمان الراهن . وإن طلب الراهن بيعه ، فامتنع المرتهن ، فمن ضمان المرتهن . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وإن رهنه بدين مؤجل ، فله ثلاثة أحوال . أحدها : أن يعلم حلول الأجل قبل فساده ، فهو كرهنه بالحال .

                                                                                                                                                                        الثاني : أن يعلم عكسه . فإن شرط في الرهن بيعه عند الإشراف على الفساد ، وجعل ثمنه رهنا ، صح ولزم الوفاء بالشرط . فلو شرط أن لا يباع بحال عند حلول الأجل ، بطل الرهن لمناقضته مقصود الرهن . وإن لم يشرط ذا ولا ذاك ، فهل هو كشرط البيع أم كشرط عدم البيع ؟ قولان ، أظهرهما عند العراقيين : الثاني ، وميل غيرهم إلى الأول .

                                                                                                                                                                        [ ص: 44 ] قلت : قال الإمام الرافعي في " المحرر " أظهرهما : لا يصح الرهن . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الثالث : أن لا يعلم واحد من الأمرين وهما محتملان ، فالمذهب : الصحة . ولو رهن ما لا يسرع إليه الفساد ، فحدث ما عرضه للفساد قبل الأجل ، بأن ابتلت الحنطة ، وتعذر تجفيفها لم ينفسخ بحال . ولو طرأ ذلك قبل قبض المرهون ، ففي الانفساخ وجهان ، كما في حدوث الموت والجنون . وإذا لم ينفسخ ، بيع وجعل الثمن رهنا مكانه .

                                                                                                                                                                        قلت : الأرجح : أنه لا ينفسخ ، وهذا الذي قطع به ، من أنه إذا لم ينفسخ يباع ، وهو المذهب . ونقل الإمام : أن الأئمة قطعوا بأنه يستحق بيعه . ونقل صاحب " الحاوي " فيه قولين .

                                                                                                                                                                        أحدهما : يجبر الراهن على بيعه حفظا للوثيقة ، كما يجبر على نفقته .

                                                                                                                                                                        والثاني : لا ؛ لأن حق المرتهن في حبسه فقط ، وهذا ضعيف . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية