الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (22) قوله: رزقكم : أي: سبب رزقكم. وقرأ حميد وابن محيصن "رازقكم" اسم فاعل، والله تعالى متعال عن الجهة.

                                                                                                                                                                                                                                      آ. (23) والضمير في إنه لحق : إما للقرآن، وإما للدين، وإما لليوم في قوله: وإن الدين لواقع ، يوم هم ، يوم الدين وإما للنبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: مثل ما الأخوان وأبو بكر "مثل" بالرفع، وفيه ثلاثة أوجه، [ ص: 47 ] أحدها: أنه خبر ثان مستقل كالأول. والثاني: أنه مع ما قبله خبر واحد نحو: هذا حلو حامض، نقلهما أبو البقاء . والثالث: أنه نعت لـ "حق" و"ما" مزيدة على ثلاثة الأوجه. و"أنكم" مضاف إليه أي: لحق مثل نطقكم. ولا يضر تقدير إضافتها لمعرفة لأنها لا تتعرف بذلك لإبهامها.

                                                                                                                                                                                                                                      والباقون بالنصب وفيه أوجه، أشهرها: أنه نعت لـ "حق" كما في القراءة الأولى، وإنما بني الاسم لإضافته إلى غير متمكن، كما بناه الآخر في قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      4105 - فتداعى منخراه بدم مثل ما أثمر حماض الجبل



                                                                                                                                                                                                                                      بفتح "مثل" مع أنها نعت لـ "دم" وكما بنيت "غير" في قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      4106 - لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت     حمامة في غصون ذات أوقال



                                                                                                                                                                                                                                      "غير" فاعل "يمنع" فبناها على الفتح لإضافتها إلى "أن نطقت" وقد تقدم في قراءة لقد تقطع بينكم بالفتح ما يغني عن تقرير مثل هذا.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: أن "مثل" ركب مع "ما" حتى صارا شيئا واحدا. قال [ ص: 48 ] المازني : "ومثله: ويحما وهيما وأينما" وأنشد لحميد بن ثور:


                                                                                                                                                                                                                                      4107 - ألا هيما مما لقيت وهيما     وويحا لمن لم يدر ما هن ويحما



                                                                                                                                                                                                                                      قال: فلولا البناء لكان منونا. وأنشد أيضا:


                                                                                                                                                                                                                                      4108 -. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .     فأكرم بنا أما وأكرم بنا ابنما



                                                                                                                                                                                                                                      وهذا الذي ذكره ذهب إليه بعض النحويين، وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      4109 - أثور ما أصيدكم أم ثورين     أم هذه الجماء ذات القرنين



                                                                                                                                                                                                                                      وأما ما أنشده من قوله: "وأكرم بنا ابنما" فليس هذا من الباب لأن هذا "ابن" زيدت عليه الميم. وإذا زيدت عليه الميم جعلت النون تابعة للميم في الحركات على الفصيح، فتقول: هذا ابنم، ورأيت ابنما، ومررت بابنم، فتجري حركات الإعراب على الميم وتتبعها النون. "وابنما" في البيت منصوب على التمييز، فالفتح لأجل النصب لا للبناء، وليس هذه "ما" الزائدة، بل الميم وحدها زائدة، والألف بدل من التنوين.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 49 ] الثالث: أنه منصوب على الظرف، وهو قول الكوفيين، ويجيزون "زيد مثلك" بالفتح. ونقله أبو البقاء عن أبي الحسن، ولكن بعبارة مشكلة فقال: "ويقرأ بالفتح، وفيه وجهان، أحدهما: هو معرب. ثم في نصبه أوجه". ثم قال: "أو على أنه مرفوع الموضع، ولكنه فتح كما فتح الظرف في قوله:

                                                                                                                                                                                                                                      لقد تقطع بينكم على قول الأخفش". ثم قال: "والوجه الثاني هو مبني". وقال أبو عبيد: "بعض العرب يجعل "مثل" نصبا أبدا فيقولون: هذا رجل مثلك".

                                                                                                                                                                                                                                      الرابع: أنه منصوب على إسقاط الجار، وهو كاف التشبيه. وقال الفراء : " العرب تنصبها إذا رفع بها الاسم، يعني المبتدأ، فيقولون: مثل من عبد الله؟ وعبد الله مثلك، وأنت مثله; لأن الكاف قد تكون داخلة عليها فتنصب إذا ألقيت الكاف". قلت: وفي هذا نظر، أي حاجة إلى تقدير دخول الكاف و"مثل" تفيد فائدتها؟ وكأنه لما رأى الكاف قد دخلت عليها في قوله: ليس كمثله شيء قال ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      الخامس: أنه نعت لمصدر محذوف أي: لحق حقا مثل نطقكم. السادس: أنه حال من الضمير في "لحق" لأنه قد كثر الوصف بهذا المصدر، حتى جرى مجرى الأوصاف المشتقة، والعامل فيها "حق". السابع: أنه حال من نفس "حق" وإن كان نكرة. وقد نص سيبويه في مواضع من كتابه على جوازه، وتابعه أبو عمر على ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 50 ] و"ما" هذه في مثل هذا التركيب نحو قولهم: "هذا حق كما أنك ههنا" لا يجوز حذفها فلا يقال: "هذا حق كأنك هنا". نص على ذلك الخليل - رحمه الله تعالى - فإذا جعلت "مثل" معربة كانت "ما" مزيدة و"أنكم" في محل خفض بالإضافة كما تقدم، وإذا جعلتها مبنية: إما للتركيب، وإما لإضافتها إلى غير متمكن جاز في "ما" هذه وجهان الزيادة وأن تكون نكرة موصوفة كذا قال أبو البقاء . وفيه نظر لعدم الوصف هنا. فإن قال: هو محذوف فالأصل عدمه. وأيضا فنصوا على أن هذه الصفة لا تحذف لإبهام موصوفها، وأما "أنكم تنطقون" فيجوز أن يكون مجرورا بالإضافة إن كانت "ما" مزيدة، وإن كانت نكرة كان في موضع نصب بإضمار أعني أو رفع بإضمار مبتدأ.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية